كنت قد قرأت وسمعت كثيرًا عن المتحف الخاص بالفلاسفة الفرنسيين، وسط باريس، فقررت الذهاب إليه. استوقفني في المدخل العناية الكبيرة بتراث فلاسفة فرنسا، وطباعة أهم مؤلفاتهم في كتب طبعت بشكل فاخر، إضافة إلى أقراص ممغنطة (CD) تحوى أهم أفكارهم، وملامح شخصياتهم. عدت إلى الفندق، وأخذت أعيد القراءة في الكتب المترجمة عن هؤلاء الفلاسفة، وما أنتجته عقولهم من أفكار مما يستحق بعضها الإشادة والإفادة، ومما يستحق بعضها التوقف والضحك! أخذت فترة راحة ثقافية، وعدت لكتاب الذكريات الذي حملته معي في سفري عن ذكريات الدكتور عبدالله الأهدل في فرنسا، وكان مما قاله في ذكرياته قصة حدثت له مع المفكر الفرنسي (روجيه جارودي)، حيث سأله (د.الأهدل) عن الجنة والناس، فقال جارودي: لا توجد جنة ولا نار على وجه الحقيقة، إنما الجنة ما تشعر به في صدرك من راحة وسعادة عند فعل الخير، والنار ما تشعر به من شقاء وتعاسة عند فعل الشر ! على الفور بادأه د. الأهدل بسؤال: إذا لم تكن هناك نار حقيقية يُعاقب عليها المسيء، فما مصير مرتكبي الجرائم، وسارقي الحقوق، هل يهربون من العدالة، وهل ينسى المظلوم حقه؟! سكت الفيلسوف جارودي، ولم يحر جوابًا أمام فلسفة ادعاها، ووقفت عاجزة عند الحقيقة التي ليست بحاجة لفلسفة!! إن الفلسفة المادية والذاتية أحيانًا تقف حائرة أمام الثقافة، لأن أحد مفاهيم الثقافة باختصار هي: (الدفاع عن التراث وإبرازه) كما يقول الأديب الفرنسي "أندريه مالرو". يوم تكون الفلسفة فضاءً غامضًا، وفسيفساء تحتاج إلى بحث في تفسيرها، فإن العقل البسيط يكون أقدر على التفسير، وأقوى على التعايش في الزمن الصعب، لأن هذا العقل ببساطة يحول الثقافة إلى ممارسة، بينما يكون الفيلسوف غارقًا في البحث عن ماهية الثقافة! [email protected]