منَّ الله عز وجل على أكثر من ثلاثة ملايين مسلم بأداء فريضة الحج لهذا العام الذي شهد نجاحًا قياسيًا لخطة الحج في يسر وسهولة وسلاسة؛ وذلك ما لمسه الجميع سواء من حَج فعليًا، أو من شاهد، وسمع وقرأ ذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة المرئية والمقروءة والمسموعة وشبكات الإنترنت. ولم تبخل الدولة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في تقديم وسائل الراحة لخدمة الحجاج وراحتهم، وبحثت في باطن الأرض وظاهرها وفوقها وتحتها عن وسائل خدمة الحجيج. ولولا هذه المشروعات العملاقة في توسعة الحرمين الشريفين والطرق والنقل وتوفير وسائل الصحة والخدمات المختلفة والاتصالات لما أمكن الوصول إلى هذا الأداء المتميز لموسم هذا العام. ولكن يبقى لوعي الحاج دور كبير ومهم في الحد أو لِنقُلْ تخفيف آثار بعض الظواهر السلبية التي لا يخلو الحج منها مثل: ظاهرة الافتراش والازدحام الشديد في المشاعر، أو في رمي الجمرات أو في الطواف والسعي، وقلة الوعي البيئي والصحي. فعلى الرغم من محدودية مساحة المشاعر، نلاحظ كثرة أعداد الحجاج من كبار السن أو المرضى أو المعاقين، ولابد من إجراءات من قِبَل حكومات الدول الإسلامية لمنع كبار السن الذين لا يستطيعون أصلًا أداء الحج حتى لا يتعرضوا للإجهاد والسقوط، وبالتالي الدهس في أماكن الازدحام، ولكن يمكنهم أداء العمرة في وقت آخر مناسب طقسًا ومكانًا وظروفًا. فرغم صعوبة تفادي هذه الحوادث المؤسفة إلا أنه يمكن اتخاذ الإجراءات الوقائية الكفيلة بالتقليل منها، فقلة الوعي بين الحجاج يؤدي إلى التزاحم الشديد، وجهل عدد كبير منهم بأركان الحج وواجباته، وكبر سن العديد منهم، ومرض بعضهم، يؤدي كل ذلك إلى وقوع الحوادث المؤسفة خلال موسم الحج. ولعل من الأمور الأساسية في التخطيط هي البحث في الحلول الفاعلة، فالبنية التحتية في المدينتين المقدستين مكةالمكرمة والمدينة المنورة وفي المشاعر المقدسة من طرق وجسور ونقل ومستشفيات وخدمات عامة واتصالات قد بلغت القمة، وأنفقت الدولة فيها بلايين الريالات إنشاءً وتشغيلًا وصيانةً، وتبقى مسألة في غاية الأهمية وهي رفع درجة الوعي بين الحجاج، حتى يحسنوا استغلال هذه المنشآت والإمكانيات والمشروعات العملاقة، ومن الأفضل وضع ضوابط لحج كبار السن والمرضى والمعاقين الذين يُشكِّلون أكثر الضحايا في حوادث الحج لضعفهم جسديًا وإرهاقهم بدنيًا، حيث إن القدرة البدنية والمالية والصحية من أول شروط وجوب الحج، خاصة وأن أداء مناسك الحج يستدعي الكثير من الجهد البدني والحركي، وهنا يأتي دور البعثات الدبلوماسية في المملكة لإعلام دولها بطبيعة المشاعر المقدسة والحرمين، والقدرة الاستيعابية لها، وكذلك تنظيمات الحج وضرورة التزام الدول الإسلامية بنسبتها المقررة من عدد الحجاج وتوعيتهم وتعليمهم كيفية أداء مناسك الحج بالطريقة الشرعية الصحيحة. ومسؤولية تفادي أمثال هذه الحوادث مسؤولية مشتركة يقع جزء منها على عاتق الدول الإسلامية التي من واجبها توعية حجاجها وتعليمهم كيفية أداء مناسك الحج واحترام تنظيمات الحج وقوانين وأنظمة المملكة في هذا الخصوص. والله الموفق دومًا لحج مثالي. * رسالة: كل عام والعالم أجمع في حب ووئام. [email protected]