لو أنك قابلت اشخاصاً على قارعة الطريق ووجهت لهم هذا السؤال: (ما هو الإنشاد)؟! فقد تختلف إجابتهم من شخص لآخر ولكن ستكون النسبة العليا لمن يشيد بسمو هذا الفن ونقاوته فهو يأتي لعلاج مشكلة معينة أو رغبة في الترويح أو إزالة هم و غم وكدر أناس آخرين، هذا بالمقام الأول، ونجد ثانيًا أن نسبة كبيرة من الناس يرون أن الإنشاد قد سمي بهذا الاسم لأنه بديل لشيء محرم وهو "الموسيقى"، ولا بد أن يرتقي للمستمع وللشريحة الموجه لها، ويفترض على المنشد احترام نفسه قبل وقوفه أمام المستمع أو المتذوق، فمن ترك المجال الغنائي لأجل وجود خلفيات موسيقية به لن يقبل أن ينتقل لمجال آخر به نفس العيب سواء قلت الموسيقى أو كثرت. وفي نفس السياق لو أننا سألنا من قال إن هذا الإنشاد هو بديل للغناء فلنفترض على من قام بعمل عدة نسخ من أنشودته وكانت إحداها بالموسيقى يقف أمام من وجه له هذا السؤال فإنه سيحرج من نفسه لأنه أصبح في هذه الحالة كمغنٍ وليس كمنشد لأن أنشودته تكون أغنية ولكن بمسمى آخر، فبعض الناس لا تستطيع التفرقة بين الأصوات البشرية وبين الآلات، فتلك الأصوات عند دخولها في تلك الآلات لم تعد أصواتا بشرية وإنما أصبحت مثل الموسيقى وقد تطغى عليها، ومجال الإنشاد ضد الأغاني وعند وجود هذه الأصوات فهذه مصيبة وخزي، لذلك أرى أن تعدد النسخ في الأنشودة الواحدة يؤثر في سمعتها بشكل كبير ويغير من هويتها المعروفة، فبعض الناس يقبلون الأنشودة بأول طريقة تم عرضها، وآخرون يحبون الاستماع لها عندما يقدمها المنشد بشكل مباشر، وهناك نسبة لا تهتم بالكلمات بل يجذبها اللحن فقط، والبعض منهم يستمع للصوت فقط، فتكرار النسخ لأنشودة واحدة يؤثر فيها. إن ما يمر به الإنشاد حاليًا من أخذ وعطى أضاع طموحنا الحقيقية فيه بل ساهمنا في إسقاطه، فكثرة الكلام فيه حولتنا عن نقطتنا الأساسية وجعلتنا نفر إلى ما هو أقل أهمية، وإنني أتمنى أن يكون للمنشدين هدف واضح وصريح فعلى المنشد إن رأى نفسه قد ذهب يمنة أو يسرة العدول والوقوف واحترام هدفه الذي بدأ لأجله، فهو مثل الشخص الذي يترك الربا ويذهب للعينة، ومثل الذين يسمون الخمر بغير اسمها.