اختلفت الأنشودة الحالية عما كانت عليه في السابق، فقد كانت معروفة لفترات قريبة بأنها ذات صيغة واحدة، وشكل واحد، وهوية واحدة، ولا يعتريها التغيير، لكن من يتابع وضع الأنشودة الحالي يرى أنها قد اختلفت عما كانت عليه في السابق، فقد تغيرت من جذورها ولم تصبح ذات هوية صريحة وإنما أخذت عدة أشكال وكما يسميها البعض (واحد في ثلاثة)، أو (واحد في أربعة) حيث نجد القصيدة الواحدة بعدة نسخ فتارة نجدها بنسخة “صافية” وأخرى بال “مؤثرات” ومرة بال“إيقاع” وقد تداعبها “الموسيقى” و“الدف”.. “الرسالة” سألت المختصين في هذا الجانب من منشدين ومنظمين وشعراء لمعرفة آرائهم في هذه القضية، فهل صحيح أن هوية الأنشودة قد فقدت بتعدد الصيغ المعروفة، أم أن هذا نوع من التطوير والاحترافية؟ هذا ما سنعرفه في تحقيقنا التالي: بقاء الهوية بداية أوضح قائد فرقة ربى الفنية المنشد أكرم العروسي أن جوهر الأنشودة هو ما عُملت عليه وتكون في المقام الأول الكلمات واللحن، ويقول: النسخ التي تدخل على الأنشودة تعتبر من المكملات لها، وأشبه النسخ التي تدخل عليها بالسكر الذي يخلط مع الشاي، فالمشروب هنا كالأنشودة في حقيقته معروف للجميع ولكن السكر الذي يسكب عليه هو كالنسخ التي تدخل على الأنشودة لأنها تعتبر من المكملات وليست من الأساسيات، وهذا يعتمد كليًا على أذواق الناس، فالبعض قد يحب الاستماع لأنشودة بصيغة الإيقاع، وآخرون بالمؤثرات والبعض يحب الاستماع لها صافية فالمسألة هنا ذوقية ولا تؤثر في هوية الأنشودة. ونوه العروسي بأن مسألة التنويع ضرورية لأن أذواق الناس تختلف وقال: البعض يحب الاستماع لكلمات القصيدة، وآخرون يفضل سماعها لاحتوائها على الطرب، ولا بد من التنويع لأنه يجذب جميع الشرائح، فهذا الأمر إيجابي بشكل كبير. أنا شخصيًا لا أستمع للموسيقى ولم ولن أخرج أنشودة بموسيقى، لكن هناك نسبة من الناس فضلت الاستماع للموسيقى ولكنها لن تحب الاستماع لغيرها لأن الموسيقى هي أفضل النسخ الموجودة والبعض لا يستمع لها نظرًا لمحظورات شرعية. فمسألة الذوق تلعب دورًا في هذا الجانب مع مسألة الدين، فلهذا رأينا عدة نسخ فالبعض يستمع للنسخة الكاملة “الموسيقى” نجده من النادر أن يستمع لمن ليس لديه موسيقى. الهدف الأساسي أما المنشد فهد مطر فيقول: يفترض على الإنسان أن يستشعر الهدف الذي أنشد لأجله وغالبًا ما يكون لحل مشكلة معينة أو رغبة في الترويح أو إزالة هم وغم وكدر أناس آخرين، هذا بالمقام الأول، ويليه بأن الإنشاد قد سمي بهذا الاسم لأنه بديل لشيء محرم وهو “الموسيقى” فذلك فن هادف، ولا بد أن يرتقي للمستمع وللشريحة الموجه لها، ويفترض على المنشد احترام نفسه قبل وقوفه أمام المستمع أو المتذوق، فمن ترك المجال الغنائي لأجل وجود خلفيات موسيقية به لن يقبل أن ينتقل لمجال آخر به نفس العيب سواء قلت الموسيقى أو كثرت. ويضيف مطر: من قام بعمل عدة نسخ من أنشودته وكانت إحداها بالموسيقى من الأفضل له أن يقف أمام المشاهدين كمغنٍ وليس كمنشد لأن أنشودته تكون أغنية ولكن بمسمى آخر. بعض الناس لا تستطيع التفرقة بين الأصوات البشرية وبين الآلات، فتلك الأصوات عند دخولها في تلك الآلات لم تعد أصوات بشرية وإنما أصبحت مثل الموسيقى وقد تطغى عليها، ومجال الإنشاد ضد الأغاني وعند وجود هذه الأصوات فهذه مصيبة وخزي. لذلك أرى أن تعدد النسخ في الأنشودة الواحدة يؤثر في سمعتها بشكل كبير ويغير من هويتها المعروفة، فبعض الناس يقبلون الأنشودة بأول طريقة تم عرضها، وآخرون يحبون الاستماع لها عندما يقدمها المنشد بشكل مباشر، وهناك نسبة لا تهتم بالكلمات بل يجذبها اللحن فقط، والبعض منهم يستمع للصوت فقط، فتكرار النسخ لأنشودة واحدة يؤثر فيها. واختتم مطر بذكر أمنيته التي يرجوها وهي أن يكون للمنشدين هدف واضح وصريح، وقال: على المنشد إن رأى نفسه ذهب يمنة أو يسرة العدول والوقوف واحترام هدفه الذي بدأ لأجله، فهو مثل الشخص الذي يترك الربا ويذهب للعينة، ومثل الذين يسمون الخمر بغير اسمها، وعلى جميع المنشدين أن يظهروا بمظهر رجولي من ناحية الشكل واللحن ولا نريد أن نرى منشدين متميعين في لبسهم وأشكالهم، فالناس تريد ترك الأغاني ولكن بعض المنشدين يعيدونهم لها بطريقة غير مباشرة. النسخ المعروفة من جانبه أوضح مدير مؤسسة رئام لتنظيم المهرجانات والفعاليات السياحية الأستاذ أحمد الجعيثن أن النسخ في الأنشودة الواحدة تأتي على خمس صيغ وهي مرتبة كالآتي: (صافية - مؤثرات - دف - إيقاع - موسيقى)، ويقول: المرحلة الأولى الصافية وهي التي تحتوي على صوت المنشد فقط أو صدى له، وتزيد حلاوة الأنشودة كلما تقدمت في المراحل، فالذين يستمعون لأي أنشودة كانت من صيغة متقدمة كالدف لن يستسيغوا سماعها صافية. والمجتمع الخليجي والسعودي لا يستمع لأنشودة صافية وإن كانت مشاركته على الهواء مباشرة فلا بد أن توضع بها المؤثرات والإيقاعات، وهذا الأمر ينطبق على كثير من المنشدين فعلى سبيل المثال الفنان سامي يوسف جميع أناشيده بنسخة الموسيقى وعندما نجد نسخًا ثانية بلا موسيقى فهي من اجتهاد الناس وليس من عمله. وأضاف الجعيثن أنه عند تغيير الصيغة لأنشودة ما فإن هويتها وشخصيتها تتغير وفي أغلب الأحيان إن كان التغيير من نسخة متدنية إلى نسخة عالية فإن الأنشودة ستزداد جمالًا، والعكس غير صحيح فلن يستمع الناس لأنشودة بإيقاع ثم يذهبون بعدها للاستماع لنفس الأنشودة بمؤثرات فقط، ولكن نجد أن البعض قد ينسجم معها. إيجابية الخطوة من جهته قال الشاعر عبدالصمد غريب: بعيدًا عن الخلافات التي تثار حول الموسيقى والمؤثرات فإن إعادة العمل الفني أو الأغنية بتوزيع أو رؤية جديدة تلبي ذائقة الجيل المستمع هي خطوة إيجابية جدًا وقد تكون ضرورية، فكثير من الأعمال القديمة تموت في مهدها أو تغرد بعيدًا عن جيلنا الجديد الذي يجد في نفسه الرغبة في سماع هذه الأعمال بنكهة حديثة وكاملة تراعي ذائقته. ونوه غريب بأنه يحب الاستماع كثيرًا برفقة أبناء جيله لتلك الألوان وقد تأثروا كثيرًا ببعض النماذج منها، فمثلًا أنشودة غرباء، استطاع الفنان محمد الحسيان إعادة تقديمها بتوزيع موسيقي مختلف وحافظ في نفس الوقت على هويتها القديمة، على الرغم من اختلاف شكلها وجوها عن السابق فالتوزيعات والنسخ الكاملة لا تفقد هذه الأعمال الهوية وإنما تربطها مع الجيل الحالي وتضعها في ميدان التنافسية.