عندما كنا طلابا في السنة الرابعة بكلية التربية بمكة المكرمة (1392/1393ه) أي على وشك التخرج أثار أستاذنا الفاضل وكيل الكلية الدكتور محمد اسماعيل ظافر قضية عدم توفر فرص وظيفية لنا خريجي قسم التربية وعلم النفس بناء على ما توفر لديه من معلومات أخبر بها من قبل ديوان الخدمة المدنية آنذاك، ولذلك فقد انزعج تمامًا ولم يتركنا وحدنا نعاني مع هذه الأخبار، بل أصبحت هذه إحدى أكبر القضايا التي عايشها خلال السنة تلك حتى انتهت بسلام، وعندما توفي والد أحد زملائنا في الدفعة كان الدكتور ظافر كالأب الموجه لنا أفرادًا في عائلة واحدة وطلب منا (حوالى أربعين طالبًا) الوقوف مع الزميل مساندين وداعمين له نفسيًا وماديًا، وبالفعل مرت المناسبة وخرج منها الزميل الفاضل بنفسية عالية؛ خاصة أن الاختبارات النهائية كانت على الأبواب، ولم يكن الدكتور ظافر وحده الذي نشأت بيننا وبينه علاقة أخوية وأبوية رائعة ما تزال حتى اليوم تتردد أصداؤها في أعماقنا، تتنامى يومًا بعد يوم، فقد كان أستاذنا الدكتور حسين قورة والدكتور عبدالرحمن صالح عبدالله والدكتور بشير التوم نماذج للأستاذ القدوة بتعاملهم الراقي وعلمهم الغزير وأدائهم الرائع طوال أربع سنوات -تقريبًا- مما كان له أثر عميق في تشكيل شخصيتنا التربوية، وظهرت آثاره خلال سنوات عملنا في مجال التعليم والحمد لله وجزاهم الله خيرًا على كل ما قدموه لنا من صفحات مشرقة بالعلم والتربية والخلق كأجمل هدية تشرفنا بتلقيها من أيديهم وقلوبهم وفكرهم، ناهيك عن وجود علاقة عميقة بيننا كطلاب وبين كل مكونات الكلية البشرية وبيننا وبين قسم التخصص مما ولّد لدينا الشعور بالانتماء والاعتزاز بالكلية والقسم معا!!!! أتذكر هذه الصفحات الجميلة من ذكريات أيّام الدراسة الجامعية مقارنة بما أسمعه أو من خلال البريد الإلكتروني أو أعرفه مباشرة من تدني مستوى العلاقة بين بعض طلاب جامعاتنا المحلية وبين بعض أساتذتهم ورؤساء أقسام تخصصاتهم، وربما مع بعض عمداء الكليات، وأخشى أن تمتد هذه العلاقات السلبية مع بعض كبار مسؤولي الجامعات أنفسهم، ويشكو بعض طلاب الجامعات من عدم وجود مرشد أكاديمي لهم يساعدهم في مسيرتهم التعليمية الجامعية، وهذا الخلل في علاقة الطالب الجامعي بجامعته يفقده أي إحساس بالانتماء أو الفخر، لأنه يشعر وكأنه يعيش في جزيرة معزولة لا يدري عنه أي أحد، ولا يعرف فيها أي إنسان، فأصبح أكبر همّه النجاة بنفسه منها بسلام، ويبدو واضحًا أن بعض الطلاب ليس لديهم أي إحساس بالانتماء فهو بدون قيادة أبوية وأخوية حانية؛ تأخذ بيديه طوال سنوات الدراسة، بل بالعكس تمامًا يوجد في بعض الكليات والأقسام من يزرع النفرة منها وبكل قوة من خلال التعامل الجاف والتعالي وتعمد اصطناع الصعاب على طريق الطلاب والطالبات من البعض، ولذلك كثرت الشكاوى وتعمقت الجراح لديهم وباتوا ينتظرون لحظات التخرج بشوقٍ عارم، وربما لا يتوقعون أن أحدًا في هذه الكلية أو القسم يمكن أن يفرح لهم وبهم عند تخرجهم، ويهنئهم بصدق وبهجة عارمة، بل قد يوجد من يترصد لبعضهم ليحرمهم من الحصول على التقديرات الحقيقية التي يستحقونها، ويقف حجر عثرة أمام نيل فرصة الإعادة والابتعاث داخليا أو خارجيا...!! [email protected]