التخلف الفكري عاهة مستديمة لا حل لها إلا لُطف الله وعنايته، حتى لو صدر عن قصد حسن أو نية طيبة، فالتخلف لا يبرره شيء سوى التخلف نفسه. والمصابون بهذا الداء في بلاد المسلمين كثر ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهم أحيانًا يشكلون تيارًا عريضًا أو شريحة كبيرة، بل وأحيانًا حركات سياسية مسلحة تزعم أنها تقيم شرع الله أو هي ساعية إليه. وحالة الفتاة الباكستانية ملالا يوسف ضائي (14 عامًا) مثال على حجم التخلف الذي تمارسه بعض عقليات حركة طالبان، بل الحركة بأسرها للأسف الشديد. هذه الصبية الصغيرة رفعت صوتها عبر عدة وسائل إعلامية مطالبة بحقها وحق مثيلاتها في التعليم، فما كان من متشددي طالبان إلا الإيعاز بقتلها والتخلص منها حفاظًا على نقاء الإسلام الذين يحتفظون بنسخته الأصلية التي تحرّم على المرأة التعليم أو العمل، وإنما هي مجرد وعاء للإنجاب وتصريف لشهوة الرجل لا غير. وقالت حركة طالبان إنها استهدفت الفتاة بسبب معتقداتها العلمانية ودعمها لتعليم الفتيات. إنه ذنب لا يُغتفر بالنسبة للمتخلف الطالباني الذي تعج ديار المسلمين بعينات من أمثال هؤلاء الذين يودون أن يديروا البلاد والعباد حسب رؤيتهم الضيقة وفقههم المنحرف وفهمهم الأعوج. ولم تقصّر بالطبع جمعيات وهيئات تضم علماء مسلمين بارزين ومعتدلين، فأصدرت بيانات وفتاوى تؤكد حق المرأة في التعليم وتشجب الفكر المنحرف الذي يقتات على العنف ويسارع إلى الاستئصال بقوة الرصاص ولا شيء غير الرصاص، الذي هو مؤشر واضح بين على ضعف الحجة وبلادة الحس والجري مع القطيع حيثما كان دون تمحيص ولا تفكير ولا تدبر. ومن هؤلاء المتخلفين من تراه يحرم حبس هرة في حين يأمر بقتل نفس بشرية معصومة. ومنهم من يؤكد أهمية المحافظة على السنن والرواتب في حين يمارس القتل المحرم شرعًا ومنطقًا وعقلًا. إنها ممارسات محبطة مؤلمة إذ يُغلف حدوثها بفتاوى شاذة وأقوال ضالة، لتبدو من شرع الله، والشرع منها براء. ولذا فالسكوت عليها وعدم إنكارها من العلماء والمفكرين العقلاء يُعد من وجوه المشاركة في إذكائها ودعمها. [email protected] [email protected]