يُروى عن المؤرخ الشهير أرنولد أتوينبي قوله مشيدًا بعالمية الإسلام: (إن انقراض أي شعور بالانتماء لجنس محدد بين المسلمين يُعتبر من أعظم ما توصل إليه الإسلام، وفي عالمنا المعاصر حاجة ماسة لنشر هذه الفضيلة الإسلامية). ونحن المسلمين ندرك ذلك بجلاء، فلولا المسلمين من غير العرب لما بلغنا نصف هذا الدين سليما من غير تزوير ولا تحريف، فهؤلاء الذين حفظوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا من بخارى وخراسان وما حولهما في أقاصي آسيا. بيد أن بعضنا للأسف لا يرى في الإسلام اليوم إلا حدودًا جغرافية ضيقة ورقعة من الأرض منزوية، في حين قالها ذلك الصحابي الجليل قبل 14 قرنا من الزمان: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم وكذلك كان الحال مع الأحساب والأنساب، فسلمان الفارسي من آل البيت الشريف، وبلال الحبشي في نظر القرشي العبقري عمر الفاروق سيد من سادات الإسلام، بل هو سيد عمر باعتراف عمر لسابقته في الإسلام وصبره الجميل على الأذى. وهذا عبدالله بن المبارك العالم التابعي الورع الفذ كان أبوه المبارك عبدًا لأحد الأثرياء المسلمين، وكان يخدم عنده في حدائق له. وذات يوم جاء ضيف لسيده فذهب به إلي الحديقة، وطلب من عبده المبارك أن يأتيه برمان حلو فذهب وأتاه برمان حامض، فقال له ألم آمرك أن تأتني برمان حلو؟ فذهب مرة أخرى وأتى برمان آخر حامض، فما كان من سيده إلا أن صرخ عليه: (ألم آمرك أن تأتيني برمان حلو؟)، فقال المبارك: (والله لا أميز الرمان الحلو من الحامض لأنك لم تأذن لي في أكله). فأعجب به سيده وحرره، بل وزوجه ابنته التي ولدت له عبدالله بن المبارك العالم الكبير والرمز الوضيء. هذه اللوحات الجميلة والمشاهد الحية تتكرر في مواسم العمرة وفي شعيرة الحج، أي باختصار طيلة العام، ونعيشها واقعًا حيًا نحن في المملكة أكثر من أي بقعة في العالم!! إنها مظاهر سامية ومشاعر صادقة تندد بكل صور العنصرية والقبلية والتفريق بين الناس والتمييز بينهم. [email protected]