لم أكنْ أدري وأنا أذهبُ لتهنئة وزير الإعلام المصري الزميل صلاح عبدالمقصود، بمنصبه الجديد، أنني مضطرٌ لمواساته، ومشاطرته الهمَّ الكبير على ما وصل إليه حالُ الإعلام، وخاصة التلفزيون! ورغم حرص الوزير الخلوق، الذي رشّح ثلاثة من الزملاء لتولّي المنصب قبل أن يستقر الأمر عليه، على استعراض جوانب مكتبه الفاره، المطل على النيل، في الدور التاسع، فإن صوته سرعان ما يتهدّج، وهو يحدّثك عن الإرث الضخم من المشكلات، والديون التي خلّفها النظام، أو الوزير السابق، القابع حاليًّا في سجن طرة! 45 ألف موظفٍ وموظفةٍ، و33 قناةً، و36 إذاعةً، ومدينة للإنتاج الإعلامي، وشركة للنايل سات.. إمبراطورية إعلامية كاملة، لكنها كما يقول الوزير: غير مفعّلة! يضيف الوزير: عندما وصلت إلى هنا، قلت لهم، وأنا أستمع للرقم الخاص بأعداد الموظفين: لو كنتُ مسؤولاً في قطاع خاص، لما قبلتُ بأكثر من 5 آلاف موظفٍ وموظفةٍ! ويمضي قائلاً: أواجه تركةً ثقيلةً.. علينا ديونٌ لبنك الاستثمار تصل إلى 19 مليار جنيه، معظمها من أموال المعاشات، وعلينا ديونٌ لشركات، وأخرى لوكالات أنباء، وأخبار، وصور تصل إلى 850 مليون جنيه! وبالإضافة لذلك تضخّمت الأجور بعد رفع الرواتب الأساسية بنسبة 400 في المائة؛ لتصل إلى 220 مليون جنيه، يُصرف منها على التشغيل 25 مليونًا فقط!! إنّها معادلةٌ مخلّةٌ، فالأجور لا ينبغي أن تتجاوز 30%! يكفي أن تعلم أن مرتب الوزير في هذه الوزارة هو أقل الرواتب.. وإذا أراد الوزير أن يعيش براتبه الحلال، فلن يعيش! من هنا يأتي الانحراف.. حيث يضع المسؤولون أنفسهم أعضاء في كل اللجان، ويتم التعويض بطرق ملتفة تصل إلى الملايين، وبعد الثورة لا مجال لذلك "وربنا يغنينا بالحلال". قلتُ: هذا عن الشكل، فماذا عن المضمون؟ قال: أعملُ على عدّة سياقات، أو مناهج.. ففي السابق كانت هناك برامج ملاكي، موجهة لصالح أطراف معيّنة، وبرامج أخرى لتصفية حساباتٍ مع جهات أخرى، وهكذا... وأمام ذلك أسعى لوضعِ "استيل بوك" يلتزمُ به المذيعُ، والمُعدُّ، ومُقدّمُ المادة.. تصوّر! لدينا مذيعون يقعون في خصومات مع الضيوف؟! * قلتُ: والعمل؟ قال: نراجعُ الآن كلَّ شيء.. وقبل المحاسبة لابد من توزيع "الاستيل بوك"، الذي يحددُ المعاييرَ التي سنحاسبُ الجميعَ عليها، وبها.. وبموازاة ذلك سنضعُ ميثاقَ شرفِ إعلاميٍّ يمنعُ اغتيالَ الأشخاصِ معنويًّا، وهم أبرياء. وسنراعي حقوقَ القُصّر، وحقوقَ المتّهمين قبل تقديمهم للمحاكمة! وبعد ميثاقِ الشرفِ الإعلاميِّ سنضعُ لجنةً لمتابعةِ الأداء الإعلاميّ، مكوّنة من خبراء الإعلام، والمحكّمين، وسنضعُ بين أيديهم البرنامجَ بأركانه المختلفة؛ ليدلوا برأيهم في مدى جودة هذا البرنامج، ومحتواه، وكلِّ ما يتعلّق به من إعداد، وتصوير، وإخراج! الخوف من "الأخونة" * سألتُ الوزيرَ الذي يجاهرُ بإخوانيته: ما الذي تقوله للخائفين من "أخونة" الإعلام؟ قال: اجتمعتُ بممثلي 45 حزبًا، وقلتُ لهم: إن منهجي هو تحويل الإعلام، من إعلام سلطة، إلى إعلام شعب.. لا تيار، ولا جماعة.. بل لا حكومة، ولا رئيس.. لقد حوّل الرئيسُ مرسي المنصبَ إلى مؤسسةٍ، وسأسعى لذلك! ومن ثمَّ فقد يكونُ رئيسُ المؤسسةِ، أو المجلسِ القوميِّ للإعلامِ إخوانيًّا، أو يساريًّا، أو غيرهما.. والمهم ألاّ ينفرد وزيرٌ بقراره؛ لأنَّ الشعبَ كله يموّلُ هذا الإعلام.. والمعيار هو المهنية، والحيادية، والرأي، والرأي الآخر.. * سألتُه: هل توافقون على ظهور شخصيات من النظام السابق اتُّهمت بالسرقة، أو التزوير على غرار الفريق أحمد شفيق؟ قال: المتّهمُ بريء حتّى تثبت إدانته، وقد سمحنا له بالظهور، والتحدّث، رغم اتّهامه في قضية كبيرة؛ لقناعتنا بأن مِن حقّه أن يظهرَ، ويردَّ على ما وُجّه إليه من اتّهامات.. كما سمحنا لشخصياتٍ سوريةٍ بالظهورِ للردِّ على تصريحات الرئيس مرسي، الخاصة بسوريا في قمة عدم الانحياز بطهران. وفي قناعتي الخاصة فضلاً عمّا أخطرني به الرئيسُ، فإنَّ الإعلامَ يجبُ أن يكونَ محايدًا، ومعبّرًا عن الواقع بكل اختلافاته. * قلتُ: أخشى -وأنتم في سعيكم للرأي، والرأي الآخر- أن تبتعدوا كثيرًا عن إعلامِ الثورة! قال: هذا صحيح.. وتخوّف مشروع، لكننا في مرحلة انتقالية، أتت بعد سيطرة فريق واحد على الإعلام، فأصبح إعلامَ الرأي الواحد.. ولكي ننقله نحتاجُ إلى صبرٍ وجهدٍ كبيرين.. وأملنا في "الاستيل بوك". قلتُ: أخشى أن تستنزفَ جهدَكَ ووقتكَ في "الاستيل بوك"، وتنتقل لمنصب، أو مكان آخر قبل الانتهاء منه! كما أخشى بعد إنجازه ألاَّ تجدَ مَن يستوعبه، ويعمل به، ويتحوّل لأرففِ المكتبة في كلِّ قسمٍ! قال: سنراعي ذلك، ونعمل على سياقات متوازية.. استيل بوك - ميثاق إعلامي - حلقات ودورات تدريبية - لجان للمراقبة وللتفعيل وللجودة.. سنسعى للعلاجِ بكلِّ الطرق، قبل أن نفكرَ، أو نلجأ للإقصاء الذي تحدده لجانُ المراقبةِ ومتابعة المحتوى! * قلتُ: متي ستنافسون القنوات الفضائية الشهيرة مثل: العربية، والجزيرة، والحرة، وبي بي سي العربية، وغيرها...؟ قال: قريبًا جدًّا سترى قناة النيل للأخبار في ثوبها الجديد.. لدينا استديو هو الأضخم، و"روم نيوز" هي الأحدث، وسننافس بقوة تلك القنوات التي أشرت إليها، والتي رفدتها قناة النيل بطاقاتٍ ومواهبَ مصريةٍ عديدة.. * قلتُ: هل يعني ذلك أن الإعلامَ المصريَّ سيتعافي قريبًا؟ قال: نعم.. بالمهنيةِ والحيادية، والرأيِّ والرأيِّ الآخر.. لقد سبقتنا القنواتُ الأخرى، عندما تمتعت بالحريةِ، والتحمت بالجماهير.. لدينا القدرة على إعادة العافية! عن المحجبات * سألتُه: هل تأخّر ظهورُ المذيعاتِ المحجباتِ على الشاشاتِ المصريةِ كثيرًا؟ قال: لسن وحدهنّ اللاتي تأخّرن.. أنا شخصيًّا مُنعتُ من الظهور، ولم أدخل هذا المبنى إلاَّ بعد الإعلان عن فوز الرئيس مرسي! لقد كانت أولى المذيعات المحجبات فاطمة نبيل، وهي ابنة قطاع الأخبار، ودخلت مسابقة في عهد الوزير المحبوس، وحصلت على المركز الأول، لكنها حُرمت بسبب الحجاب.. والمذيعة الثانية التي سمحت لها بالظهور بالحجاب هي نرمين خليل، والثالثة سارة الشناوي، وتقرأ النشرة الجوية. والرابعة هي الزميلة نرمين البيطار، التي ظلّت تقرأ النشرة الرئيسة 16 عامًا، فلمّا تحجبت بعد الثورة، منعوها من الظهور، وقد أصدرتُ قرارًا بعودتها! الوكالة الإيرانية * سألتُه: لماذا لم تبادر الوزارةُ بالردِّ على ما فعلته وكالةُ الأنباءُ الإيرانيةُ من تحريفٍ واضحٍ لخطابِ الرئيس مرسي في قمة عدم الانحياز بطهران؟ أجاب: لقد بادرنا بتوضيحِ حجمِ التزوير، لكننا لم نشأ أن نظهرَ كمستنفرين، أو خائفين، أو نحو ذلك.. كما لم نود أن نظهرَ وكأننا لسانُ الرئيس، أو لسانُ الحكومة.. نحن لسان الشعب.. وأنا أفضّلُ أن يأتيَ الدفاعُ عن موقفِ الرئيس من الشعب! * قلتُ: متى، وكيف بدأت علاقتكم الشخصية بالرئيس مرسي؟ قال: أعرفُه منذ عام 1986، وهو رجلٌ يحبُّ بلده، ويخلصُ لها، وقد تركَ أمريكا وراتبه هناك 3 آلاف دولار، ناهيك عن مكافآت المحاضرات في وكالة ناسا، وعاد لمصر ليتقاضى 158 جنيهًا مصريًّا في كلية الهندسة بجامعة القاهرة.. وهو بطبيعته فلاحٌ مصريٌّ ينتمي لهذا الشعب، يفضّلُ العملَ بروحِ الفريق، ولا يحبُّ الانفرادَ بالرأي، ويتحرّى المشورة. لقد اقتربتُ كثيرًا منه أثناء الحملة الرئاسية، وكنا نجلسُ أجيالاً مختلفة الأعمارِ والأفكارِ، وهو يستمعُ للجميع متّسمًا بالحلمِ والتأنّي.. لكنه في الحقيقة حاسمٌ في قراراته، كما أنّه لا يقبلُ أنصافَ الحلول.. وهو أيضًا يرفضُ اللقاءات سابقة التجهيز! الجماعة وعمر * سألتُ وزيرَ الإعلامِ المصريِّ: هل ستوافقُ على عرضِ الجزء الثاني من مسلسل الجماعة؟ أجاب بوضوح: إذا كان المسلسلُ الذي كتبه الأستاذ وحيد حامد بنفس مستوى وطريقة الجزء الأول، فلن يُعرض! لقد أنفق في الجزء الأول عشرات الملايين لتشويه صورة الإخوان قبل انتخابات 2010، ولقد تسبّب المسلسلُ في تضليلِ النظامِ الحاكمِ، فأقبل على تزويرٍ فاضح في الانتخابات، وكانت القشّة التي قصمت ظهرَ البعير.. لن أذيعَ الجزء الثاني، ولن أدفعَ فيه جنيهًا واحدًا، إذا كان يهدف إلى تشويه صورة الإخوان، أو حتّى التجمّع، أو الوفد، أو أية قوى وطنية مصرية. * قلتُ: وماذا عن مسلسل عمر بن الخطاب؟ هل توافقون على عرضه؟ قال: الأمر هنا مرجعه إلى الأزهر الشريف، فهو الذي يحدد جواز ظهور الصحابة على الشاشة من عدمه! * قلتُ: وماذا عن ظهور الشيخ القرضاوي؟ قال: نرحبُ به عالمًا جليلاً من علماء الأمة، ونسعدُ بظهوره، فهو من أئمة العصر، ويسعدنا ظهورُه في برنامجٍ أسبوعيٍّ على شاشة التلفزيون، وأتمنّى أن يضيئها قريبًا.