جاء في الحديث المتفق عليه من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنةً أشد على الرجال من النساء)، فكان صريحًا في كون المرأة فتنة للرجل، لكن تفسير كلمة (فتنة) بمعانٍ ذات دلالات سلبية دفع البعض إلى محاولة تأويل هذا الحديث وإخراجه عن مراده، أو ربما رده والطعن فيه رغم كونه في الصحيحين وتلقي الأمة له بالقبول. وإن منشأ هذا الزلل، هو الاسترسال خلف تغير المعنى لكلمة (فتنة) مع غلبة الاستعمال لها في المواعظ والقصص والمقالات، في سياق من الانتقاص الخفي والذم، حتى صارت الكلمة مرادفة للشر والإثم والخطيئة، رغم أنها في الأصل اللغوي لا تفيد ذلك صراحة. إن الشريعة السمحة قد نزلت بلغة العرب الفصحاء، ومن أصول الفقه والفهم للنصوص ردها إلى معاجم اللغة المعتمدة، فمهما تنازعت الكلمة الأعراف والاستعمالات؛ كانت العودة لهذا الأصل اللغوي واجبة في تصحيح اللفظ وتحريره مما شابه، ووضعه في سياقه الشرعي وأصله. الفتنة في اللغة كما جاء في مختار الصحاح من فتن، أي اختبر وامتحن، يقال: فتن الذهب إذا أدخله النار لينظر ما جودته، ويسمى الصائغ: الفتَّان. وقد جاء في القرآن الكريم: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) [الأنفال: 28]، فوصف الله تعالى الأموال والأولاد بذلك لا ذمًا وتخطئة وانتقاصًا، وإنما هما أكرم ما على المرء وأحب شيء إليه، فتبين بذلك أن المقصود بالفتنة الاختبار والابتلاء، وأن الله تعالى ينبه بهذا الوصف إلى حسن التعامل معهم والحذر من أن يؤدي حبهما إلى البعد عن الله تعالى، لئلا تكون عاقبة هذا الاختبار ونتيجته للشر والخسران، ومثل ذلك في الآيات التي جاءت بهذا اللفظ كثير أيضًا. وهكذا تعامل الرجل مع المرأة، فهي له اختبار وامتحان، وعليه التعامل معها بعلاقة سامية فيها الاحترام وحسن السمت، والتفاعل المحتشم والانتفاع، والحذر من الانجراف معها في غواية أو زلل، وهذا الاختبار هو أشد ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم على الرجال، والواقع يشهد بذلك. وهذا المعنى اللغوي رجحته قاعدة عظمى من قواعد قراءة النصوص، وهي النظر إليها في إطار مقاصد الشارع العديدة الشاملة التي جاءت بتكريم المرأة وأنها فرد مسلم مكلف بالعمل الصالح موعود بحسن الجزاء، إن أحسن فله وإن أساء فعليه، وقد نزهت الشريعة المرأة من كل انتقاص لقدرها أو إنسانيتها أو كرامتها. وإن وصف المرأة بالفتنة لا يعني عزلها عن المجتمع والمنع التام من التعامل معها خشية الوقوع في الشر، فهذا مما لم يأت به الإسلام، بل إن الذي جاء بأن المرأة فتنة جاء كذلك بمشروعية حضور المرأة لصلاة الجماعة محتشمة، وسماع العلم والتحديث به ونقله، وأجاز لها أن تكتسب وتجد نخلها القريب من بيتها، وأن تمرض الجرحى في الجيش حال انشغال الرجال بالجهاد، وفرض عليها رحلة الحج مع محرمها، وغير ذلك كثير من صنوف التعامل الاجتماعي السامي. فالعلاقة بين الجنسين في الإسلام علاقة تفاعل منضبطة، لا علاقة إقصاء وانعزال، وليست كذلك في الطرف الآخر علاقة تفتح وانحلال، في مكابرة فجة بنفي ما وضعه الله تعالى في الإنسان من ميل فطري إلى الجنس الآخر، فإن استرسل خلف الغواية فقد تحقق الضرر وخسر في هذه الفتنة، وإن تعامل باحترام ونفع وانتفع فقد أصاب وأفلح، وبذلك نضع هذا المصطلح في موضعه السليم، في خضم السجالات الفكرية بشأن المرأة في الساحة المعاصرة.