يعتبر دافيد دبليو ليش مؤلف هذا الكتاب الصادر مؤخرًا عن منشورات جامعة ييل أحد أبرز ثلاثة خبراء غربيين في الشأن السوري إضافة إلى باتريك سيل ونيكولاس فان دام، حيث كانت تربطه بالرئيس بشار الأسد علاقة صداقة أشار إليها في مقدمة الكتاب، كونه كان دائم السفر إلى سوريا خلال الثلاثة وعشرين عامًا الماضية، التقى خلالها بالرئيس بشار الأسد وزوجته (أسماء الأسد) والعديد من كبار المسؤولين السوريين عدة مرات ما مكنه من نشر كتابه الأول عن سوريا والرئيس بشار الأسد عام 2005 (أسد دمشق الجديد: الأسد وسوريا الجديدة)، وكتابه الثاني هذا. والواقع أن ليش لم يكن مجرد صديق لبشار الأسد، بل كان من أشد المدافعين عنه، وهو ما يمكن الاستدلال عليه في إشارته في الكتاب إلى محاضرة ألقاها في مارس 2006 أمام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن دي سي، وأيد فيها التحاور مع سوريا ورئيسها في الوقت الذي كان الأسد يغض فيه الطرف عن العناصر المقاتلة التي كانت تتسرب إلى العراق عبر الحدود السورية.. وبعد أن أنهى محاضرته جاء إليه أحد اعضاء فريق مستشاري ديك تشيني - نائب الرئيس بوش الابن - للشؤون الخارجية، وأخبره أنه يتفهم جيدًا وجهة نظره المؤيدة للأسد، لكنه عقب قائلًا وهو يشير بأصبعه بحدة نحو وجه ليش: «ولكن أولئك الأوغاد، يقصد النظام السوري، وقد استبدلت الوصف غير اللائق الذي استخدمه شيني بكلمة الأوغاد- يقتلون أولادنا في العراق». لابد من الإشارة هنا إلى أن صداقة ليش للأسد هي التي دفعته إلى تقديم النصيحة له في مايو 2011 خلال المراحل الأولى من الأزمة التي لم تكن تطورت بعد إلى مواجهات مسلحة، وحيث لم يكن الأسد يتصور مجرد تصور أن الربيع العربي الذي كانت تعيشه تونس ومصر من خلال المظاهرات السلمية يمكن أن يصل إلى بلاده (المستقرة).. في ذلك الوقت قدم ليش للأسد ثلاثة خيارات.. أحد تلك الخيارات أن يستمر في قمعه لشعبه، وهو خيار يتيح له البقاء في السلطة، لكنه سيضعه في مرتبة صدام حسين وبول بوت وسيجعله يواجه مصيرهما.. الخيار الثاني أن يواصل أسلوب الإصلاحات والقمع معًا، وهو ما يعني تكرار الاحتجاجات.. أما الخيار الثالث، فهو الأفضل، إذ يتمحور حول أن يختار ما يحقق مصلحته ومصلحة بلاده على المدى الطويل وقبل فوات الأوان، وذلك بالإعلان عن إصلاحات سياسية حقيقية تتضمن حزبا جديدا وقوانين انتخابية جديدة وحذف المادة 8 من الدستور التي تنص على أن البعث أساس الحكم وتحديد فترة محددة للرئاسة. أهمية الكتاب هنالك أهمية قصوى لهذا الكتاب كونه صدر في الوقت الذي تطورت فيه الأزمة السورية إلى درجة خطيرة ومقلقة، ووصلت بالفعل إلى مرحلة الحرب الأهلية، وهو ما يعني وصول ثورات الربيع العربي إلى نهاية مأساوية مع سقوط قرابة 25 ألف قتيل في سوريا، وما يلوح في الأفق من إمكانية أن تطول تلك الحرب حاصدة المزيد من الأرواح. يحلل المؤلف في كتابه ويتتبع أسباب الانتفاضة السورية، وطبيعة استجابة الحكومة لها، وتطور حركة المعارضة.. وهو يشرح لنا بإسهاب كيف فشل الأسد في قيادته لسوريا، وكيف تحول من حامل للأمل إلى طاغية، ويصف لنا مظاهر القمع الشديد الذي واجه به نظامه الانتفاضة الشعبية، وأسباب تلك الانتفاضة، وردود فعل المجتمع الدولي إزاء حمامات الدم التي أراقها، وجهود المعارضة للإطاحة به، ثم يعرض استنتاجاته والسيناريوهات التي يتوقعها للكشف عن المستقبل السوري الغامض، والتي يبدي فيها في نهاية المطاف نبرة لا تخلو من التفاؤل بالقول إن الاستقرار والحرية والرخاء كلها تولد من رحم النزاع واليأس والألم.. ويذكر ليش في المقدمة عن بشار الأسد، إنه كان يظن أن في وسعه أن يحقق لسوريا وللشعب السوري تطلعاتهما لكنه كان مخطئًا في الكثير من حساباته، أو لعله من الأدق القول إن النظام السوري الذي جبل على الاستبداد أثبت أنه من الصعب ترويضه، فكان من الطبيعي أن يتحول بشار إلى طاغية.. ويضيف أن بشار في استخدامه العنف المفرط في التصدي لما كان يبدو في بداية الأمر احتجاجًا سلميًا استوحاه المحتجون من أحداث الربيع العربي تحديدًا من ثورتي تونس ومصر اللتين رفعتا شعار «سلمية.. سلمية»، فإنه إنما كان يعتقد أنه على صواب، ولم يدر بخلده قط أنه كان يضع الفصل الأخير لنهاية حكم أسرة الأسد لسوريا. صدمة وخيبة أمل عندما تسلم بشار الأسد السلطة عام 2000 على إثر وفاة والده حافظ الأسد، عقد العديدون داخل سوريا وخارجها آمالًا عريضة في أن يحقق الرئيس السوري الجديد الطبيب الشاب المحبوب الإصلاح الذي طال انتظاره، وأنه سيكون نموذجًا جديدًا من قادة الشرق الأوسط من حيث القدرة على قيادة بلاده نحو الديمقراطية الحقيقية. وكان دافيد ليش أحد أولئك الذين راهنوا على بشار.. لكن الأمر كان مختلفًا لدى ليش، لأنه كان يعرف بشار أكثر من أي شخص آخر في الغرب من خلال لقاءاته العديدة معه، لاسيما في الفترة (2004-2009)، لكن ليش - كغيره من الملايين- أصيب بخيبة أمل عندما ظهر له بشار الأسد على حقيقته. يقول ليش في المقدمة إنه تفاجأ تمامًا عندما أطلق الأسد العنان لقواته المسلحة وقواته الأمنية لقمع الانتفاضة، وأن شعوره كان مزيجًا من الصدمة والحزن وخيبة الأمل وأيضًا الغضب لأنه لم يكن يتوقع أن يتحول الأسد إلى أداة للزج بسوريا إلى حافة الهاوية. ويذكر في الفصل الأول من الكتاب تحت عنوان (الأمل) انه لثلاثة عقود (عندما صعد إلى الحكم عام 1970 وحتى وفاته عام 2000)، كان الرئيس الأب (حافظ الأسد) الحاكم المطلق لسوريا، ومنذ تدهور صحته منذ بداية التسعينيات، كان المتوقع أن يخلفه ابنه الأكبر باسل، بالرغم مما هو معروف بأن الحكم في الأنظمة الجمهورية لا يورث.. وكان باسل معروفًا كشخصية عسكرية يتمتع -عكس أخيه بشار- بالكاريزما.. لكن باسل سرعان ما لقي مصرعه إثر حادث سيارة بالقرب من مطار دمشق الدولي بداية عام 1994، في الوقت الذي كان فيه بشار -الابن الثاني لحافظ الأسد- في شقته في لندن.. ولم يكن بشار الذي تخرج في جامعة دمشق طبيب عيون سافر إلى لندن لإكمال تعليمه العالي في «ويسترن آي هوسبيتال»، يتوقع أنه سيصبح رئيسًا لسوريا بعد وفاة شقيقه ببضعة أعوام، أو إنه سيواجه بعد أحد عشر عامًا انتفاضة شعبية عارمة ضد حكمه، وأن قمعه لشعبه بوحشية سيؤدي إلى قتل آلاف الضحايا وسيجعل العالم كله ينظر إليه كمتعطش للدماء فقد شرعيته في الحكم. بدايات الصعود والشهرة يشير ليش إلى بدايات صعود نجم بشار وازدياد شعبيته في أوساط الشعب السوري، وكيف ترقى بسرعة في السلك العسكري حتى رتبة عميد.. هذه الشعبية جعلت الناس يطلقون عليه لقب «الأمل»، وهم يرونه يقود سيارته بنفسه ويرتاد مع زوجته مطاعم دمشق، ويتحدث إلى الناس في دار الأوبرا قبل العرض، ويبدو شخصًا عاديًا في كل تصرفاته وتعاملاته. في عام 1998 نقل إليه والده ملف لبنان من نائب الرئيس عبدالحليم خدام، وبدا للعيان أن بشار هو رئيس سوريا القادم بلا محالة.. ولذا لم يكن هنالك أي معارضة تذكر عندما خلف والده في رئاسة البلاد بعد ذلك بعامين، خاصة من قبل الجهازين العسكري والأمني اللذين يهيمن عليهما العلويون الذين يشكلون 12-13% من الشعب السوري والذين سيطروا على أجهزة الحكم منذ أواسط الستينيات عندما أمسك حزب البعث السوري بزمام الأمور في سوريا.. وهكذا تسلم بشار الأسد السلطة بسلاسة بعد يوم واحد من وفاة والده بعد أن تم تعيينه من قبل البعث.(والحقيقة إنه لم يكن ثمة مرشح آخر غيره).