التسول.. عالم غامض بكل المقاييس، وله قوانينه وأعرافه الخاصة، وليس بالبساطة التي يتصورها البعض، فهو «بيزنس كبير» له رجاله وأيضًا نساؤه عبر الحدود وداخلها. «المدينة» حاولت فك بعض شفرات «الصندوق الأسود» لذلك العالم، وقامت بزيارة ميدانية لمركز إيواء الأطفال المتسولين التابع لجمعية البر بجدة، والتقت بعض الأطفال النزلاء من جنسيات عدة وسعت لمعرفة كيفية وصولهم للبلاد وطريقة ممارستهم للتسول وكيفية اقتسام «الغنائم» وأسهم الصغار والكبار فيها. في البداية كان اللقاء «عبير» التي قالت إنها تعيش في المملكة مع خالتها وأبيها الذي يعمل متسولًا، أما أمها فهي داخل السجن ولا تعلم لماذا دخلته؟.. وأنكرت بأنها كانت تتسول وقالت والدموع تملأ عينيها كنت ألعب في الخارج مع أبناء الجيران ثم وجدت نفسها مع المتسولين! أما كريم فيقول إنه دخل الحدود على «حمار» عن طريق التهريب بمقابل 50 ريالا تكلفة الرحلة ووصل إلى جازان ومعه تسعة أشخاص أكبرهم أخيه «أكرم» الذي دخل المملكة للتسول أيضا أكثر من 6 مرات. يقول: «بعد الوصول إلى جازان تم الاتفاق مع احد الاشخاص ليؤمن لنا سيارة توصلنا إلى جدة وكان الاتفاق على مبلغ وقدره ألفان ريال على الشخص الواحد، وبعد موافقتنا أخذونا إلى شاحنة محملة بملابس وبطاطين ومخدات وأدخلونا بينها ومعنا بسكويت وعصائر وماء، وبعد 12 ساعة وصلنا جدة وانتقلنا إلى حي الرحيلي لان أخي أكرم يعرفه وهناك وجدنا 11 فتاة تتراوح أعمارهن من 3 سنوات إلى 17 سنة أحدهن متزوجة ومعها طفلة وقبض على زوجها وهو يتسول، وتم الاتفاق معنا على العمل فريق واحد يديره أخي أكرم البالغ من العمر 20 عاما». ويضيف كريم: «قمنا باستئجار بيت شعبي مكون من ثلاث غرف ويبعد عن محطة الرحيلي مسيرة ساعة من الزمن مشيا على الأقدام واستمر في العمل ثلاثة أشهر، وكنا موزعين على فريقين الأول يعمل من الساعة الثالثة عصرا إلى الثالثة فجرا والفريق الآخر يعمل ما تبقي من الوقت، وكان كل ولد مع فتاة فأخي الأكبر يرافق البنت الكبرى». تسول.. ونشل ايضا وأشار إلى أن الفتيات يجمعن أكثر من الأولاد في حصيلة التسول اليومية، فالفتاة الواحدة يتراوح دخلها اليومي من 900 إلى 1200 ريال بينما حصيلة الولد من 300 إلى 700 ريال. ويستطرد كريم: «بعد أن عملنا ثلاثة أشهر اقترحت علينا احدى الفتيات بان نسلب محافظ نقود من الناس الذين يتبرعون لنا وقمنا بتطبيق الفكرة وجعلنا الأطفال يطلبون المساعدة من الأشخاص وعندما يخرج محفظة نقوده للتبرع ويعيدها إلى جيبه نقوم بنشلها بطريقة سريعة بحيث لا يشعر بنا لكن هذه العملية جعلت الأمن يقبض علينا وبحوزتنا ما يقارب 14 ألف ريال حصيلة يوم واحد». سلفة احد الأقارب أما ضوء علي فبدأ حديثه بان والده توفي وهو من يعول أسرته واقترض مبلغ 2500 ريال من أحد أقاربه وأن أخته الأصغر منه بالسجن في اليمن لأنها أتت معه إلى المملكة قبل ثلاث سنوات للتسول وقبض عليهما وتم ترحيلهما لكن أخته رفضت الخروج من السجن وفضل هو الخروج وجلس مع عائلته إلا أن والده توفي وعاد إلى المملكة للتسول. ويستطرد قصته قائلا: «قبض علي بمكةالمكرمة وأنا لم أعمل سوى خمسة أيام فقط، وكنت أجمع في اليوم الواحد مبلغ يتراوح ما بين 90 ريالا إلى 150 ريالا، أما فيما يخص مكان النوم فأنام مع المعتمرين في الفنادق المجاورة للحرم وأدفع 15 ريالا إيجارًا للغرفة. وعن كيفية وصوله إلى مكةالمكرمة يقول: دخلت الحدود السعودية مشيا على الأقدام أثناء الليل وبعد أن وصلت إلى جازان اتفقت مع صاحب سيارة أن يوصلني إلى جدة مقابل مبلغ ألف ريال ووجدت معه أشخاصا آخرين وكان صاحب السيارة يسير بنا أوقاتا في الجبال هربا من نقاط التفتيش. وعن قصة دخوله المملكة يشير معاذ محمد أحمد إلى أنه دخل المملكة مع والدته مشيا على الأقدام أيضا، وعند وصولهم إلى جازان تم الاتفاق مع صاحب السيارة بان يوصله إلى جدة مقابل ألفان ريال وأتفق معهم أن يقولون في نقاط التفتيش أنه من أفراد عائلته. ويؤكد معاذ مر بنجاح على نقاط التفتيش وبعد أن وصل إلى جده ذهب إلى أقاربه الذين وفرو لهم سكنا بإيجار شهري خمسمائة ريال وبعد عام تم القبض على والدته في السكن وانه بعد تسوله في إشارة المرور وعودته إلى السكن لم يجد والدته. وبعد السؤال عنها أخبره الجيران بان «الجوازات» قبضت عليها فلجأ إلى صديقه الذي يتسول معه عند إشارة المرور وطلب منه أن يسكن معه هو وعائلته فسكن معهم ثلاثة أشهر وكان يحصل على مبلغ يتراوح ما بين 200 ريال إلى 300 ريال يوميًا. حكاية عيسى أما القصة الأغرب والتي يحزن لها القلب وترى فيها انعدام الرحمة هو ماحدث لعيسي محمد إبراهيم الذي قدم من نيجيريا ولم نفهم منه إلا كلمة واحدة هي- أمي أمي- تفاجأنا عند دخوله به يكشف ظهره ويردد كلمة أمي أمي، وبمساعدة المشرف بالمركز هاني جميل الذي شرح لنا ماذا يعني يقول إنه دخل المملكة مع إحدى السيدات من بنات جلدته هو وأربعة أطفال بعد أن قامت بتشويه أطرافهم في نيجيريا ودخولهم بجوازات سفر مزورة لأداء الحج وتسريحهم للتسول جوار الحرم المكي الشريف، ويضيف هذه السيدة يقول لها أمي وهي ليست والدته. بعدها بدأ عيسي الحديث بعد أن قام المشرف بإعطائه بعضًا من المال قائلا إن أمه تقوم بضربه على ظهره وأطرافه كل يوم إذا حصل على مبلغ لا يتجاوز إلف ريال وأنه يعمل في التسول ورفاقه الأربعة من شهر ذو الحجة العام الماضي وأقل مبلغ حصل عليه في أحد الأيام 500 ريال وتعرض حينها إلى ضرب قاس من أمه أما أعلى مبلغ حصل عليه يتجاوز 1300 ريال وأن أمه تقول له أثناء التسول: