تحتفل الأمة الإسلامية في هذا اليوم بأحد أعيادها التي أقرها الدين الإسلامي الحنيف للعباد فرحة وبهجة بعد أن منَّ الله عليهم بصيام وقيام شهر رمضان المبارك ، وفي صباح هذا اليوم السعيد تتوزع المكارم من الله - سبحانه وتعالى - على عباده فمنهم من هو مقبول – جعلنا الله وإياكم منهم - ، ومنهم من هو مردود - والعياذ بالله - ، وفي هذا اليوم أيضاً يرتفع التكبير – حمداً وشكراً – للمولى - جلت قدرته - على أن بلغهم إياه وهم في صحة وعافية ، وفي هذا اليوم – أيضاً – ترتقي الأنفس لتعانق عُباب السماء متجاوزة حدود البغضاء الضيِّقة ، واضعة حداً فاصلاً للقطيعة المقيتة ، فاتحة صفحة جديدة يلتحفها البياض ، حروفها مكتوبة بمداد التواصل ، ومضمونها يُرسخ ما ينبغي أن يكون عليه التآخي الحق . إن مناسبة عظيمة كهذه لا بد أن نتوقف عند الحكمة من مشروعيتها ؛ فهي باب من أبواب التكافل الاجتماعي الذي يُعد مبدأً من مبادئ ديننا المجيد ؛ فقبل الشروع في أداء شعيرتها الكبرى فرض الله علينا أداء زكاتها التي من خلال إخراجها نُحقق جزءاً من مشروعيتها ، فالفقير ينتظر مشاركة الغني له في فرحته ، والغني مُعنيٌ بالتخفيف عن الفقير في محنته ، فتحقيق هذه المعادلة تجعل التراحم والتعاضد بين المسلمين واقعاً ملموساً ، وشاهداً على عظمة الدين الإسلامي ، ناهيك عن قيام الناس – رجالاً ونساء صغاراً وكباراً – بشعيرة خفتت طوال العام ، وجاءت هذه المناسبة المباركة لتُعيد لها ألقها وحضورها الطاغي على إذابة كل الخلافات ، ونبذ الفُرقة بين الأقارب والأصدقاء ، ألا وهي صلة الرحم التي قال عنها الرسول – صلى الله عليه وسلم - : « صلة الرحم مُعلَّقة بالعرش من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله « ، فأيام العيد البهيج فرصة سانحة لتبادل الزيارات بمدلولها الشرعي الذي يحث على المبادرة دون انتظار الرد ، وهذه من سماحة الإسلام التي هي رأس الإسلام كما وصفها الطاهر بن عاشور في كتابه : مقاصد الشريعة الإسلامية . إلا أن المُتتبع لخط سير هذه الشعيرة الكريمة في السنوات القليلة الماضية يلحظ تحولها عن مسارها الصحيح جراء دخول وسائل التقنية ساحة التواصل , فمع أهميتها بل وضرورتها إلا أنها طغت على التواصل الحقيقي الذي يجب أن يكون في مثل هذه الأيام ، وكأني بلسان حالهم يقول : أنا أرسلت لك بطاقة تهنئة ، وكأنه بهذا الفعل يتمنن على الآخر بها ، بل ويجعلها سقفاً أعلى للصلة ، فالوصول إلى هذا المستوى من العلاقة – حتماً – يُنذر بخطورة في الفهم العميق للحكمة من صلة الرحم ، ويعكس بُعداً سلبياً لتطورها ، ناهيك عن إنكفاء الأسر على بعضها في الاستراحات التي عزلت الأسر بمفهومها الشامل عن مُحيطها الاجتماعي ، فهُجرت البيوت ، بل خليت أثناء أيام العيد ؛ وكأنها لجيل لم يُخلق بعد ، أو لجيل اندثر ولن يعود ، قد يقول قائل إن الاستراحات تؤلف بين أبناء الأسرة الواحدة ، وهذا منطق مقبول جزئيًّا ، لأنه على حساب التآلف المجتمعي ككل ، فبعد أن كان أبناء المجتمع يتزاورون انكفأت الأسرة الصغيرة على ذاتها ، وتساقطت الحكم العليا من شعيرة العيد المتمثلة في صلة الرحم ، وتفقُّد الفقراء والأيتام والإحسان إليهم. كل ما أتمناه في هذا العيد السعيد أن يؤلف الله بين القلوب المتنافرة ، ويُعزز القلوب المتحابة في الله ، وأن يُعيده على الوطن الغالي وقيادته الحكيمة وشعبه النبيل بكل خير وعزة ورفعة ومنعة – إنه سميع مُجيب – وكل عام وقرائي الكرام بألف خير . [email protected]