تستحق قمة التضامن الإسلامي الاستثنائية، التي ترأسها في مكةالمكرمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أن تكون قمة نصرة الحق، إذ يقول الحق سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: "واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا"، وقد جاءت دعوة المليك للقمة تحت عنوان قمة التضامن الإسلامي، أي الاعتصام بحبل الله، والتوحّد في مواجهة أعداء دينه. أمّا ما قاله المليك لقادة الأمة الإسلامية في كلمة افتتاح القمة "استحلفكم بالله أن تكونوا على قدر المسؤولية، وأن تنصروا الحق، فهو أيضًا مصداقًا لقول الخالق جل وعلا: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم". فالمليك يدعو قادة الأمة إلى أن يتوحّدوا لانتشال الأمة الاسلامية من حالة الضعف والتفرّق التي تعتريها، ومن الفتنة التي تسيل بسببها دماء المسلمين، مؤكدًا أنه لا مخرج من المأزق إلاَّ بالتضامن والتسامح. وفي سياق رؤيته -حفظه الله- لسبل تحقيق التضامن والتسامح، يطرح اقتراحه بتأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية، تكون الرياض مقرًا له. وهي دعوة تعكس رؤية عبقرية، تستوعب مواضع الفتنة، وتدرك مناطق الانقسام، وتعرف أن حوارًا بين المذاهب الإسلامية على تنوّعها واختلافها، هو اللبنة الأساس في التصدّي لعوامل إثارة الفتن، بكل انعكاساتها السلبية على وحدة وتماسك الأمة الإسلامية، وحتى على وحدة وتماسك كل دولة إسلامية على حدّة. مركز الحوار بين المذاهب الإسلامية، يشرع أبواب التأمل والتفكّر في أحوال المسلمين، وفي حتمية وحدتهم وتضامنهم، وفي ضرورة تفرغهم لتنفيذ التكليف الرباني بعمارة الكون، عبر الأخذ بسبل العلم والمعرفة، وبالبحث العلمي والتطبيقي، لتعزيز إسهامات الأمة الإسلامية في إثراء الحضارة الإنسانية بمفردات جديدة، تعكس رؤية الإسلام للكون، وتفاعل المسلمين معه، على نحو حضاري. هناك مَن راهنوا على عقود مقبلة من الحروب الطائفية والمذهبية في العالم الإسلامي، وهناك مَن سعوا وخططوا لها، لكن رؤية خادم الحرمين الشريفين، لعوامل الفتنة في العالم الإسلامي، واستشرافه الرائع لمتطلبات التصدّي لها، خلصت إلى أن الحوار هو المدخل الطبيعي لاستعادة التضامن الإسلامي، وأن التسامح والعدل هو الضمانة الأكيدة لوحدة وقوة المسلمين، وقد لخص -حفظه الله- ذلك كله بتعبير موجز بليغ حين قال: "إن قمنا بالعدل هزمنا الظلم.. وإن انتصرنا للوسطية هزمنا الغلو".. حفظ الله خادم الحرمين الشريفين، ووفقه في هذه الأيام المباركة إلى ما يحبه ويرضاه، فقد شخّص الحالة الإسلامية بدقة، ووصف العلاج بإمعان، فالتضامن، والوحدة، والتسامح، والاعتدال تقود كلها إلى نصرة الحق.