لم تنته الهجرة النبوية المباركة عند وصول المهاجرين من مكة إلى المدينة واستقرارهم فيها ، بل دخلت هذه الهجرة الميمونة مرحلة أخرى من مراحلها الهامة ، والتي نشأ عنها مجتمع جديد ، ودولة فتية جديدة في دولة آمنة . ولم تكن المرحلة هذه مرحلة سهلة ، أو أقل عناء مما سبق ، فالدولة الجديدة التي اختار لها النبي صلى الله عليه وسلم المدينة موطنا لرسالته بأمر من ربه جل جلاله كانت تواجهها مخاطر وعقبات كثيرة : اقتصادية واجتماعية وصحية . إذ ضم مجتمع المدينة الأنصار من أوس وخزرج تمكنت بينهم العداوة والأحقاد التي خلفتها الحروب في الجاهلية ، ووثنيين ، وأهل كتاب لهم نفوذ وقوة لا يستهان بها لم يسرّوا بظهور الدين الجديد ، ولم يكن نبيه منهم ، فناصبوه العداء ، كما ضم المجتمع المدني المهاجرين الذين لا مأوى لهم ، و لا قوت يسدّ رمقهم ، تركوا أهليهم ومعظم أموالهم في مكة . كما ظهر المنافقون الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ، وما كان منهم من مكر وكيد للإسلام والمسلمين في الخفاء . وقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم هذه العقبات بحكمته وقيادته الرشيدة ، واستطاع عليه الصلاة والسلام جمع الكلمة وتوحيد الصف والسير بالمجتمع الإيماني إلى بر السلام فهيأه لتنطلق منه البعوث إلى مشارق الأرض ومغاربها لتنشر الإسلام . زمن المصاعب التي واجهها المهاجرون بخاصة المصاعب الصحية الناجمة عن اختلاف البيئة وبالتالي المناخ .. وذلك بأنهم لم يكونوا قد اعتادوا على البرودة القاسية والرطوبة العالية ؛ مما سبب انتشار مرض الحمى .. حتى عرفت قديما ب ( حمى يثرب ) . « فعن ابن اسحاق ، عن هشام بن عروة ، وعمر بن عبدالله بن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قدمها وهي أرض أوبأ أرض الله من الحمى ، وواديها بطحان بخل ( قليل الماء ينز نزيزا ) وكان وباؤها معروفا في الجاهلية ، فأصاب أصحاب النبي منها بلاء وسقم ، وصرف ذلك عن نبيه . قالت : فكان أبو بكر وعامر بن فهيرة وبلال موليا أبي بكر في بيت واحد فأصابتهم الحمى ، فدخلت عليهم أعودهم ، وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب ، وبهم ما لا يعلمه إلا الله من شدة الوعك ، فدنوت من أبي بكر فقلت : كيف تجدك يا أبت ؟ فقال : كل امرئ مصبح في أهله * والموت أدنى من شراك نعله قالت : فقلت : والله ما يدري أبي ما يقول ، قالت : ثم دنوت إلى عامر بن فهيرة فقلت : كيف تجدك يا عامر ؟ فقال : لقد وجدت الموت قبل ذوقه * إن الجبان حتفه من فوقه قالت : فقلت : والله ما يدري ما يقول ، قالت : وكان بلال إذا أدركته الحمى اضطجع في فناء البيت ثم رفع عقيرته ، فقال : ألا ليت شعري هل ابيتن ليلة * بفخ وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنة * وهل يبدون لي شامة وطفيل قالت عائشة رضي الله عنها : فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعت منهم ، و قلت : إنهم ليهذون ، وما يعقلون من شدة الحمى ، فقال: « اللهم حبب إلينا المدينة ، كما حببت إلينا مكة أو أشد ، وبارك لنا في مدها وصاعها ، وانقل وباءها إلى مهيعة « و مهيعة هي الجحفة وكان فيها مشركون آنذاك . السؤال الرابع و العشرون : في أي سور القرآن الكريم نزلت آية الحجاب ؟ الخيارات : 1 الاحزاب . 2 العلق . 3 الكهف.