أقام النادي الأدبي بالرياض ندوة بعنوان «الخصوصية السعودية.. حقيقة أم وهم» وكان ضيف الندوة الدكتور عبدالرحمن الحبيب الكاتب الصحفي وعضو الحلقة الفلسفية بالنادي الأدبي بالرياض وأدار الندوة عبد الرحمن السلطان. وبدأ الدكتور الحبيب حديثه قائلاً إنه زاهد في تعريف الخصوصية لأن التعريف لن يجدي فكل إنسان يمكن أن يكون له تعريف مختلف للخصوصية، كما أن للخصوصية العديد من الأوجه منها الخصوصية الدينية والقبلية والجغرافية والتاريخية، ورأى أن هناك من يدافعون عن الخصوصية وهؤلاء هم المحافظون وهم ليسوا فئة واحدة بل أكثر من فئة، وانتقد تحوّل هذا الدفاع إلى مبالغة في التميز عن الآخرين والمطالبة بتقديس هذه الخصوصية لأنه سيفضي إلى حالتين: الأولى تعصّب يذكي حالات الخلاف مع الآخرين، والثانية جمود يعرقل التطور الطبيعي والإصلاح الضروري. وتحدث الدكتور الحبيب حول أوهام الخصوصية المفرطة، ومنها وهم الماضي، فالذين يبالغون في خصوصية بلدانهم كثيرًا ما يقعون في وهم الاستناد إلى خصائص تاريخية لم تعد موجودة، ويزعمون أن لها ميزة جوهرية تطبعهم بها، ومن أمثلة ذلك، تجد في اليونان من يقول لك بأننا ورثة الفلسفة الإغريقية، ويجيّرها كخصوصية يونانية، رغم أن تلك الفلسفة انتشرت بعيدًا عن أرضهم، وكذلك الأمر لمن يقول بفرعونية مصر، أو من يقول في السعودية بأن شعرنا النبطي هو امتداد للشعر الجاهلي بما فيه من خصائص، فالذين يضّخمون خصوصيات بلدانهم ويغالون في تميّزهم الثقافي قد يستندون على خصائص موجودة فعلاً، لكنهم يحمِّلونها نتائج ليست من طبيعتها. واعتبر الدكتور الحبيب أن وجود الحرمين الشريفين في بلادنا هي خصوصية انفتاح لا انغلاق، والمرونة في التطور لا في الجمود، فالحرمين الشريفين محجَّتان يأتي إليهما المسلمون من كل أصقاع الأرض حاملين معارفهم وأنماطهم الاجتماعية المتفاوتة، وبيئة الحرمين الشريفين هي بيئة إيمانية متفتحة رحبة تفاعلت فيها ثقافات متنوعة على مدى حقب طويلة، ونتيجة لذلك نجد أن المجتمعات المحيطة بالحرمين الشريفين هي من أكثر المجتمعات العربية انفتاحا واعتدالا منذ خمسة عشر قرنًا، فلا يمكن بهذه الخصوصية الانفتاحية تبرير الانغلاق على الذات والتشدّد في المحافظة والمغالاة والتمسّك بالعادات والتقاليد وبالذات في المسائل الاجتماعية من حقوق المرأة والحريات العامة. وكشف الحبيب أن هناك خصوصيات مزعومة نسمع أحيانًا عن موانع اجتماعية بسبب الخصوصية، ومن أمثلة ذلك، موافقة ولي الأمر للتقدم عند القاضي للمرأة ، ومنع دخول العزّاب في الأسواق التجارية، وقيادة المرأة للسيارة والتي يُسمح بها في الريف وتُمنع في المدينة، وهناك أمثلة أخرى مثل السينما رغم أن السعوديين يشكلون النسبة الأكبر من رواد صالات السينما في الخارج، وكذلك الرياضة النسائية، والكاشيرات، ومحلات الملابس النسائية، والطلاق لعدم تكافؤ النسب. وأضاف: الإصلاح والتطور ينبغي أن يكون مخططًا ومدروسًا يراعي الخصوصية ولا ينكرها، وهنا المهمة الأصعب.