من أقوال الفيلسوف القديم أرسطو (مات عام 322 قبل ميلاد المسيح): (أولئك الذين يربّون الأطفال جديرون بالتقدير والاحترام أكثر ممّن يلدونهم. الوالدان يعطيان الحياة فقط، أمّا المربي فيعطي فن الاستمتاع بالحياة). وخير من الاثنين معًا مَن يعطي الاثنين معًا. يريد أرسطو أن يُؤكِّد عمق الفجوة بين الدور البيولوجي للوالدين، ودورهما الأكبر في تربية هذا الصغير حتى يجيد فن الحياة بإيجابية. ولذا جاءت التوصية القرآنية بالدعاء الجميل: (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا)، فربط بين الدعاء بالرحمة والتربية في الصغر. هذه التربية الطيبة هي أجمل منتج، وأروع هدية يقدمها الوالدان للمجتمع وللوطن، بل وأحيانًا للإنسانية كلها، إذا نبغ الطفل وقدّم للبشرية ما لم يقدمه غيره. وفي المقابل كم ترى من الآباء والأمهات (خاصة في عصرنا هذا) إهمالاً لا حدود له، أو تدليلاً لا ضابط له، وكلاهما يفسد الطفل ليكون المنتج في النهاية فردًا تمتد شروره إلى أطراف كثيرة من المجتمع، وليكون عامل هدم وأذى. وهو في أحسن الأحوال فرد غير صالح، أو هو سلبي معدوم الفائدة لمجتمع ضمه طوال سنوات طفولته، ومراهقته، وشبابه. والتربية الصالحة لا تشترط مالاً كثيرًا، ولا جاهًا عريضًا، وإنما هو التوفيق من الله أولاً، ثم صلاح الوالدين ثانيًا، إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه، ولا يُجنى من الشوك العنب، ثم عقد العزم على ممارسة كل من الأبوين لدوره المفترض منه بلا إهمال، ولا تسويف، ولا تواكل. هذه المهمة العظيمة يغفل عنها كثير من الآباء اليوم يتركونها للبركة وبالبركة وحسب. وأول مظاهر الممارسة التربوية الصحيحة تقديم النموذج الصالح في شخصية كل من الأبوين، فلا أب يكذب، ولا أم تعنّف، وكذلك بقية الممارسات السلوكية الخاطئة التي قد تصدر من الأبوين، وهي مرصودة يعايشها الطفل ويتقمصها وتستقر في عقله الباطن لسنوات طويلة، بل وتصبح غالبًا جزءًا من ممارساته اليومية حين يستقل بحياته. ما أجمل التربية السليمة التي تستوجب الدعاء بالرحمة، وما أبغض التربية السيئة التي تُنسي الفرد أبويه لأنهما لم يحسنا إليه كما ينبغي، ولو أغرقاه بأموال الدنيا وزخارفها. [email protected] [email protected]