أفرزت الانتخابات المصرية تساؤلًا كبيرًا حول نجاح مقاصد ثورة 25 يناير العام الماضي، والتوجس السائد من عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل تلك الثورة يلوّح بأن النتائج ستقود مصر لأربع سنوات قادمة مضطربة، ويبقى الجدل النهائي حول الدستور ومسميات الدولة بين دينية ومدنية! ومصر لا ينقصها محللين وحكماء وسياسيين بارعين في دراسة المعطيات واستنباط الحلول، ولكن المراقب الخارجي له وجهة نظر، وقد يرى ما لا يراه من هو داخل الصندوق! أمريكا تراقب المشهد من كل الزوايا وتعمل على التأثير بدون الإعلان عن ذلك، لأن أي تحول حقيقي في مصر سيقلب إستراتيجيتها في المنطقة على رأسها في مرحلة لم تعد موازنتها واقتصادها قادرًا على تحمل أعباء مغامرات جديدة، مثلما حصل في العراق وأفغانستان. المراقب العربي يرى أن ما يحصل في مصر سيُؤثِّر على كل مفاصل السياسة في العمل العربي مستقبلاً، ولذلك ينبغي الاهتمام والتركيز والمتابعة الحثيثة لما يجري حاليًا؛ والمتوقع مستقبلاً في داخل مصر وخارجها. تركيا تمكنت في العقدين الماضيين من استعادة زمام الأمور في إدارة شؤونها المحلية مستفيدة من ضغط الحوار مع أوروبا للتخفيف من حدة الفساد الإداري، وإعادة الهيكلة لبعض مؤسساتها، وإتباع آليات ديمقراطية لتداول السلطة بشكل سلمي وشفاف ومنتظم، ومساعدة من بعض الدول، وعن طريق الابتعاد عن الهموم الإسلامية، حيث اكتفت بدور المشارك الحذر والمستفيد من المتغيرات بقدر الإمكان، وركّزت على تنمية مواردها والدخول في عمليات التصنيع وتطوير الإنتاج واختراق الأسواق الأوروبية بمنتجات منافسة في السعر والجودة، مستفيدة من قلة التكلفة مقارنة بمثيلاتها في أسواق الاتحاد الأوروبي. الفترة الزمنية -قبل مجيء السيد رجب أرودغان وعبدالله جول- خدمت تركيا، حيث كان المناخ العالمي شبه مستقر، وهذا غير متوفر في المرحلة الحالية بالنسبة لمصر وغيرها من الدول، ولكن إمكانية الاستفادة من التجربة التركية واردة، وينبغي النظر إليها بجدية اختصارًا للوقت، ولقربها من حيث الدين والعادات والتقاليد أيضًا. المؤسسة العسكرية في تركيا كانت علمانية، وتقاوم بشراسة أية ميول دينية، وقد أخذ أرودغان ورفاقه وأغلبية الشعب التركي فترة طويلة لترويض العسكر؛ وإعادتهم إلى ثكناتهم. في مصر المؤسسة العسكرية مرنة، والشعب المصري يحفظ لها التزام الحياد والميل لصالح الشعب في الإطاحة بالنظام السابق، وتولي زمام الأمور بحكمة وتروي خلال المرحلة الانتقالية، والكل يتمنى لو كان الجيش السوري اتبع نفس المنهج لكانت سوريا الآن في بر الأمان، ولتجنب الشعب السوري أهوال الحرب الأهلية التي تدور رحاها حاليًا في بلاد الشام العريقة. أمريكا وحلفاؤها يرون بأنه لا مانع من إعطاء الجماعات الدينية وممثليها فرصة لتولي السلطة، وفي نفس الوقت تراقب وتتحفظ على بعض الممارسات التي تميل للإقصاء وإبعاد بعض التيارات السياسية الأخرى عن المشاركة في إدارة شؤون البلاد، وهنا تكمن المعضلة الحزبية أيًا كانت عندما تتقيد بتعليمات التنظيم الذي تنتمي إليه. التطور التدريجي هو الطريق الأمثل للتغيير، ولكن الجمود ورفض المواكبة لمتطلبات العصر، والإصرار على عدم الاستجابة لاستحقاقات المتغيرات، مثلما حصل في كل الدول التي اجتاحتها موجات الربيع العربي، يحرم الشعوب من فرصة التغيير التدريجي، حتى طفح الكيل وانتفضت الشعوب في تلك الدول؛ وذهبت الأنظمة في مهب الريح. وكان القضاء على تلك الأنظمة والتخلص من جبروتها شرط أساسي للتغيير، ولكنه ليس كافيًا لتحقيق كل الطموحات والتطلعات؛ التي انتفضت الشعوب من أجلها، مثل الحرية والديمقراطية والعدالة والحفاظ على المال العام، وخلق مناخ نهضوي يؤدي إلى الرخاء والاستقرار.. كل هذه الأمور تعتمد على حنكة وحكمة قادة التغيير، والكيفية التي سيتبعونها لإدارة شؤون الدولة، والكل يتمنى ويترقب نجاح التجربة المصرية التي يتوقع أن تكون قدوة في السلب والإيجاب، كما هو الحالة بالنسبة للتجربة التركية. [email protected]