الخندق معلمٌ من معالم المدينةالمنورة المندثرة منذ قرون، وتعود بدايته إلى غزوة الأحزاب في شوال من السنة الخامسة من الهجرة، حين اجتمعت قبائل المشركين على حرب المسلمين بالمدينة، فأشار سلمان الفارسي على النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق لصد هجوم الأحزاب. وذكر بن هشام في السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم عمل في حفر الخندق ترغيبًا للمسلمين، وعمل معه المسلمون فيه، وتكاسل رجالٌ من المنافقين فكانوا يتظاهرون بالعمل في حفر الخندق ويتسللون إلى أهليهم بغير إذن، أما المسلمون فكانوا يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يطرأ عليهم من حاجات. وكان حفر الخندق في الجهة الشمالية من المدينة، لمنع دخول جيوش الأحزاب إليها، واشتدّ الخوف والبلاء على المسلمين، حتى ظهر نفاق المنافقين، وثبت المؤمنون، ونجح حفر الخندق في صدّ الأحزاب، وفرّ المشركون منهزمين. وكان مقرّ القيادة قُبّة نصبت للنبي صلى الله عليه وسلم عند ما يعرف اليوم بمسجد الفتح عند الطرف الغربي لجبل سلع. وقد اندثر موقع الخندق وعفا أثره قبل عدة قرون، وهو ما جزم به الفيروز آبادي في «المغانم المطابة في معالم طابة»، مؤكدًا أنه لم يبقَ معروفًا من الخندق في زمانه إلا جهته. وقد حاول بعض المعاصرين تحديد موقع الخندق، فذهب عبدالقدوس الأنصاري صاحب كتاب «آثار المدينةالمنورة» إلى تحديده بطرف حرة واقم شرقًا وغربيّ وادي بطحان حيث طرف الحرة الغربية (الوبرة) غربًا. وقال إنه على شكل شبه نصف دائرة عند طرفها الغربي يقع غربي مسجد المصلى والشرقي عند مبتدأ حرة واقم في الشمال الشرقي. وأكد الأنصاري أنه كان قد عزم على تحديد موقعه الدقيق، غير أنه عدل عن مسعاه بعد ما قرأ كلام المطري في القرن الثامن الهجري الذي يقول فيه: «وقد عفا أثر الخندق اليوم ولم يبق منه شيٌ يعرف إلا ناحيته، لأن وادي بطحان استولى على موضع الخندق وصار مسيله في الخندق». الدكتور تنيضب الفايدي الباحث في معالم المدينةالمنورة زوّد المدينة بخريطة من تصميمه قال إنها تطابق تحديد الخندق في 25 مرجعًا و 18 خارطة ما بين أطالس وكتب تتفق مع تلك المراجع. وحدد الفايدي الخندق بأنه يبدأ شرقًا من عند أكمة الشيخين عند الجزء الشمالي الغربي من حرة بني واقم، ويستمر بطول خمسة آلاف ذراع غربًا حتى يصل إلى أطم المذاد وهو أطم لبني حرام من بني سلمة غربي مسجد الفتح.