قد نعاشر أشخاصًا سنين طويلة نحمل لهم في طياتها الكثير من الذكريات التي حوت مجالستنا لهم وأكلنا معهم وتحدّثنا إليهم ... وربما أدخلناهم في زمرة الأصدقاء وتبادلنا معهم بعض الأسرار ... ولكنّنا لا نلبث بعد برهة من الزمن أن نكتشف بأنّ ما عرفناه عنهم لم يكن سوى النزر اليسير من شخصياتهم ... فَنُصدم بعد مفارقتهم ومقابلتهم مرة أخرى بعد زمن ليس بالقصير بتصرفاتهم وأفكارهم وسلوكهم معنا ... وكأنّهم بذلك يناقضون أنفسهم ... ويُخَيّّل إلينا أنّ تلك السنوات كانت أكبر كذبة تقاسمناها معًا ... بل يحدث الصراع الرهيب بيننا وبين أنفسنا والذي يجعلنا غير مصدقين ما يحدث ... ربما من هول الصدمة ..!! وربما لأننا وضعنا لأولئك الأشخاص في أنفسنا مكانة هم في الأصل لا يستحقونها ... حيث جعلناهم كالجبال الرّاسية في حياتنا ... مع أننا بعد اختلافنا قد نفكر في التخلص من هذه الجبال ... ونخرجها للأبد من حياتنا ... وإذا نظرنا إلى هذه المواقف نجد أنها حدثت في وقت قصير لا تقارن بتلك الفترة الطويلة التي صنعت ذكريات جميلة كنا نراها كالحلم الجميل الذي لم نتخيل أن ينتهي أبدًا ... كثيرا ما نمرّ بهذه الشخصيات في حياتنا ونأسف كثيرًا أننا عرفناهم ...لأننا أحببناهم بصدق ... فوجهوا لنا صفعات تركت جراحها وآلامها لتقضي على جمال ما صنعوه داخل أنفسنا ... تركت ندوبا في قلوبنا تذكرنا بهم كلما رأيناهم من جديد ... أو رأينا بعض ما يذكّرنا بهم ... هكذا هو أثر بعض الأشخاص الذين نقابلهم في رحلة الحياة ... وبالرغم من الاختلاف إلا أنّنا لا نكرههم ... بقدر ما نريد الابتعاد عنهم حتى نحافظ على ما بقي من صورة جميلة لهم نريدها أن تبقى كما هي ... بعيدًا عن شوائب الحاضر ... لا كما يعتقد البعض ويفسرونها على أنّها حقد وكره وقلب يحمل لونًا أسود ...!!! تلك التحليلات والاستنتاجات المغرضة التي نصادفها في مسيرتنا والتي تزيد الأمور سوءًا أكثر مما هي عليه ... فقد نقرر قرارات في شأن اختلافنا مع من حولنا ولكننا نفاجأ بأنّ من حولنا لا يملك ثقافة الاختلاف ... تلك التي تُبقي على الاحترام والعلاقة السطحية التي لا تتعدى السلام والمجاملات المعتادة والحوارات العامّة ... هكذا نحافظ على العلاقة بشكل راق ينسينا بعضًا من الآلام التي عشناها ... ويبقى شيء من الودّ في قلوبنا لبعضنا البعض بالرغم من اختلافنا الكبير ...!! حنان سعيد الغامدي -جدة