ماذا يحدث في السودان؟ سؤال يفرض نفسه في ضوء المعطيات الراهنة في المشهد السياسي والتي تتقاطع بصورة تزيد المشهد تعقيدًا، وتثير مخاوف حول الخطوة المقبلة.. المسارات تتداخل ما بين حركات احتجاجية متصاعدة، تتسع دوائرها السياسية والجغرافية، وما بين تحركات من النظام الحاكم، ومن أحزاب المعارضة بعد التوقيع على اتفاق ما يُعرف ب»البديل الديمقراطي»، وكانت الحركات الاجتجاجية قد خرجت من العاصمة وضواحيها إلى ولايات ومدن سودانية أخرى، وبعد ثلاثة أسابيع من الاحتجاج في الشوارع ظهرت القوى السياسية التقليدية، ووقّعت على اتفاق «البديل الديمقراطي»، الذي يُعدُّ برنامج عمل للقوى السياسية لما يُسمّونه «مرحلة ما بعد حكم الإنقاذ وسقوط نظام الرئيس عمر البشير». حزب المؤتمر الوطني «الحاكم» والمتحالف مع 17 حزبًا تشارك في الحكومة القاعدة العريضة الحالية يقوم بتحركات مضادة تهدف إلى إقناع المواطن السوداني بحزمة الإجراءات الاقتصادية «التقشفية» التي طبقها، وأثارت الاحتجاج في الشارع السوداني، وبأن الظرف الاقتصادي والمعيشي ناتج عن انفصال الجنوب عن الوطن السودان الأم، وأدّى ذلك إلى ضياع 70% من مصادر الدخل السوداني «حصيلة تصدير النفط إلى الخارج»، وبالتوازي يسعى المؤتمر الوطني إلى تشكيل حكومة توافق وطني موسع تشارك فيها كل الأحزاب وإجراء حوار مجتمعي لصياغة دستور جديد للبلاد. تشير معطيات المشهد السوداني إلى أن الأيام المقبلة «حبلى» بأحداث كبيرة، وأن السودان الذي لم يتعافَ من «توابع» انفصال الجنوب، مقبل على متغيرات قد تعصف بنظامه السياسي، وربما تفرض التغيير، وتعيد السودان إلى الانقلابات، والدخول إلى خارطة «الربيع العربي»، بعد أن رفعت الحركات الاحتجاجية من سقف مطالبها بالدعوة لإسقاط النظام. وهذه الإرهاصات بدأت تحتل مكانًا بارزًا في المشهد السياسي السوداني، حيث خرجت تصريحات لمسؤولين سودانيين «تسخر من المحتجين، وتطلق عليهم أوصافًا زادت من حالة الاحتقان بين القوى الشبابية الحيّة، وطلاب الجامعات، وأطياف المعارضين من القوى المهنية المختلفة «محامين، وحقوقيين، وزراعيين، وغيرهم...»، وتعاملت الحكومة مع هذا الملف بحملة اعتقالات واسعة للناشطين، والاستخدام المفرط للقوة في التعامل مع المحتجين بالغاز المسيل للدموع، والهراوات، والرصاص المطاطي. و دخول الأحزاب السياسية «التاريخية» مثل: الأمة القومى بقيادة الصادق المهدي، وتبني ابنته مريم الصادق لخط المواجهة مع الحكومة والحزب الاتحادي، والمؤتمر الشعبي برئاسة الدكتور حسن الترابي إلى المشهد السياسي بدعم الحركات الاحتجاجية، فرض جدلاً كبيرًا حول قدرة هذه الأحزاب على استثمار الحركات الاحتجاجية لتحقيق أهدافها في إسقاط نظام حكم الإنقاذ، وهو الهدف الذي فشلت في تحقيقه على مدار23 عامًا، منذ وصول الإنقاذ للحكم في السودان عام 1989، وتضع السوابق التاريخية لفشل الأحزاب الشمالية لإسقاط نظام البشير علامات استفهام حول «البديل الديمقراطي»، وقدرته على التوافق مع حركات الاحتجاج الشبابية، والوصول إلى إسقاط النظام.. «المدينة» حاورت قيادات الأحزاب حول معطيات ومستجدات المشهد السوداني في محاولة لتقديم رؤية لاستشراف القادم، وهل يمكن أن يتكرر السيناريو السوري في السودان؟