تحريم التمثيل ممّا انقرض الخلاف فيه أو كاد، فما استند إليه المحرمون التمثيل لذاته، من حصول الكذب فيه، والغيبة ونحوه: بأن عدم تأثيره في الحكم، مع علم الجميع: أن المقصود المثال؛ للتوجيه والإصلاح، وليس الافتراء وتبديل الحقائق. فإذا ما حرم فلما يعتريه ممّا فيه مخالفة للشريعة، أو إضرار بالحقيقة، فيكون تحريمه لغيره لا لذاته. والإجماع منعقد على تحريم تمثيل أُخِلَّ فيه بأحكام الشريعة. ثم إن ممّا وقع عليه الاتفاق كذلك: المنع من تمثيل الذات الإلهية، وكذا الأنبياء. والعلة في الأول: تحريم تشبيه المخلوق بالخالق. فيكون هذا النوع -خاصة- محرمًَا لذاته، ولغيره أيضًا من الموانع والمفاسد التي لا تخفى، أمّا الأنبياء فالتحريم فيه لغيره، وعلل تحريم هذا النوع: 1- قداسة الأنبياء؛ فإنهم مصطفون، ولا يطمع أحد في رتبتهم البتة، ولا يُتَمَثَّلُ إلاَّ بمن أمكن لغيره الحلول في رتبته؛ فالممثل للمقام النبوي لن يبلغ تمثيلَه كما هو؛ لأنه مقام اصطفاء، لم يقم فيه النبي إلاَّ بإعانة خاصة من المولى، فتمثيل غيره له حينئذٍ ناقص، والنقص مضر ومشوّه للحقيقة يزري بالمقام. 2- سدّ الذريعة إلى ما هو أعظم؛ لأنه إذا اقتحم هذا، فجرأته على مقام الربوبية وارد، وهذا ما كان من المسيحيين، مثلوا الأنبياء موسى، ويوسف عليهما السلام، ثم جسّدوا المسيح نبيًّا وابنًا وربًّا زعموا. لهذه العلل وما في معناها، اجتمعت الكلمة على المنع، ثم يأتي بعد الأنبياء مقام الصحابة، وهو دونه وفوق ما بعده، وهذا ما دعا بعضهم للمخالفة فيهم؛ كون مرتبتهم ممكنة من حيث الأصل، وإن فاتت من حيث الزمن، والمجامع الكبرى: كهيئة كبار العلماء، ومجمع الفقه الإسلامي، والأزهر على "المنع". وتخطي هذا السواد من العلماء إيحاء بالشر وفتحًا لباب فتنة، فإنهم أولى بالحق من أفراد الناس. لكنّ كثيرًا ممّن يجيز يستند إلى: عدم وجود "نص" مانع. وهو مستند واهٍ، لا يأخذ به فقيه، فإن مصادر التشريع: الكتاب، والسنة، والقياس، والإجماع. والأخيران مصدران معتمدان للأحكام لا خلاف فيهما، يلجأ إليهما حين لا يكون "نص" في المسألة، وحكمهما نافذ، فالأحكام ليس مصدرها "النص" وحده، فلا إشكال عند الفقهاء في استخراج حكم قاطع من: قياس، أو إجماع، أو من طريق المقاصد والمآلات، أو بفهم المتشابه في ضوء المحكم. أما اشتراط "النص" للحكم القاطع، فهذا من ابتداع المبتدعة. عليه: فلا إشكال في تحريم تمثيل الصحابة؛ إذ دلت الطرق الأخرى غير "النص" على التحريم، والمستند: العلل الواردة في منع التمثل بالأنبياء. بجامع رضا الله عنهم وعدالتهم من حيث المبدأ، مع الفارق بين المقامين، فشيء من المفاسد الواردة في التمثل بالأنبياء وراد في الصحابة؛ فإن زمنهم فات فلا مطمع في رتبتهم، فتمثيلهم موجب للتنقص منهم ولابد؛ لقصور الممثل عن مقامهم، هذا لو كان صالحًا، فكيف بالفاسق؟ ثم التمثل بهم طريق للتمثل بالأنبياء، وهذا ما كان من بعض الطوائف المعروفة بخوضها. هذه القضية شرعية، وليست دنيوية ينظر فيها إلى المصالح والمفاسد، فما يبدو من مصالح في التمثيل غير مؤثر، فالحكم فيها بمقتضى النص إن وجد، أو القياس والإجماع أو الجمهور والمآلات لا المنافع الدعوية.