قطع الإعلان عن قيام الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي بأول زيارة خارجية له إلى المملكة.. قول كل خطيب ظل يتحدّث رجمًا بالغيب عن توتر وفتور العلاقات بين المملكة ومصر.. وكانت بعض قوى إقليمية قد حاولت الوقيعة بين البلدين، تارة بافتعال أزمات، أو إثارة مخاوف، وتارة أخرى بتضخيم قضايا كأزمة المعتمرين المصريين في رمضان الماضي، أو واقعة المحامي المصري أحمد الجيزاوي المتهم بإدخال عقاقير محظورة إلى المملكة. وبعد ثورة 25 يناير، قدمت حكومة المملكة كل الدعم للحكومة المصرية معلنة أنها لا تتدخل في خيارات الشعب المصري، فجاءت زيارة رئيس الوزراء عصام شرف، ثم زيارة الرئيس محمد مرسي إلى المملكة لتعيد تذكير مَن نسوا، أو تناسوا القول الشهير للملك المؤسس عبدالعزيز: «لا عرب بدون مصر، ولا مصر بدون العرب». وتعكس هذه الزيارة المكانة المحورية التي تمثلها المملكة في الإستراتيجية المصرية الجديدة، وأن التعاون والتنسيق مع المملكة يمثل المحدد الرئيس للسياسة المصرية في بداية تدشين عمل الجمهورية الثانية، وأن العلاقات ستتحرك قدمًا على نحو ما تحقق في السابق، وسيتم البناء عليه، وأن العلاقة بين البلدين لن تخرج عن «ديمومة» النسق التعاوني ولصالح الشعبين الشقيقين، ولصالح القضايا العربية والأمة الإسلامية. لماذا الزيارة الأولى للمملكة؟ قال رئيس تحرير التقرير الإستراتيجي العربي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية الدكتور هاني رسلان أنه جرت العادة في العلاقات الدولية أن يبدأ الرئيس المنتخب في أية دولة بزيارته الأولى إلى أهم دولة من منظور علاقات بلده الإستراتيجية، وأن الدولة الأولى في زيارة الرئيس المنتخب تعني محورية الدولة «المزارة» بالنسبة للرئيس ولدولته، وكون الرئيس المصري محمد مرسي يبدأ نشاطه الخارجي بزيارة المملكة، فهذا يؤكد أهمية المملكة في فكر الرئيس مرسي خلال ولايته الرئاسية لمصر، كما أن المملكة طبقًا لهذ المنظور ستكون «حجر الزاوية» في سياسة مصر الخارجية. وأضاف رسلان إن إعلان مرسي يكشف محاور سياسة مصر الخارجية في الجمهوية الثانية، وأن الدائرة العربية تحتل المركز الأول، وأن المملكة في القلب منها، ويجسد هذا التحرك المصري تواصلاً في السياسة الخارجية المصرية بدوائرها المختلفة، وأن الدائرة العربية هي الرئيسة ومن بعدها الإسلامية والإفريقية وهو ما يبرز في جولات الرئيس المقبلة، والتي تشمل المشاركة المحتملة في قمة الاتحاد الإفريقى منتصف الشهر الجاري، وهذا يعني تدشين عودة مصر «الرئاسية» للقارة الإفريقية، وهي دائرة ظلت «باهتة» في سنوات حكم الرئيس السابق منذ محاولة اغتياله الفاشلة في أديس أبابا. وأكد رسلان أن مصر والمملكة بمثابة العمود الفقري للنظام العربي، وأن التعاون والتنسيق بينهما على قاعدة الاحترام المتبادل سيسهم في أهمية تكامل الدورين، وحل الكثير من القضايا العربية، ويعيد التوازن الإستراتيجي على المستوى الإقليمى. أكثر من دلالة من جانبه، قال مدير مركز الدراسات الإيرانية الدكتور مدحت حماد إن زيارة الرئيس مرسي الأولى للمملكة تحمل أكثر من دلالة، منها أن الزيارة الأولى هي إعلان بأهمية ومكانة المملكة على المستويين الإقليمي والدولي، وأنها الشريك الأول والرئيس لمصر سياسيًّا واقتصاديًّا، وحتى على المستوى الإستراتيجي، ومنها أيضًا التأكيد على أهمية الدور السعودي عربيًّا وإقليميًّا ودوليًّا، وأن مصر تتكامل مع هذا الدور لتحقيق مصالح الأمة العربية. وأضاف حماد إن الزيارة سيكون لها نتائج اقتصادية مباشرة «حتمًا»، ولاسيما أن المملكة كانت أهم شريك اقتصادي وتجاري لمصر خلال العقود الثلاثة الماضية، وأنه حدث تراجع في أعقاب ثورة 25 يناير، ممّا استدعى تحرك الرئيس مرسي لاستعادة هذه العلاقات واستنهاض دور المملكة في دعم التنمية في الجمهورية المصرية الثانية، والعمل على استعادة الاستثمارات السعودية والتي كانت الممول الرئيس للعمليات الاستثمارية، ومن هنا يبدو هدف الزيارة استعادة العلاقات على ما كانت عليه، والبناء على ما تحقق. وعن مردود هذه الزيارة على القضايا العربية، قال حماد: لا أحد ينكر «محورية» الدور السعودي في القضايا العربية بدءًا من اليمن، ومرورًا بفلسطين والعراق، ووصولاً إلى سوريا، إلى جانب محورية هذا الدور داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي، وأن للدور المصري امتدادات في هذه القضايا، ومن هنا يصبح التكامل والتعاون بينهما في هذه القضايا مهم لتحقيق الاسقرار داخل الإقليم. ويرى حماد ان زيارة مرسي للمملكة، يمكن النظر إليها باعتبارها محاولة مصرية جادة لإحياء جبهة «الاعتدال العربي»، والتى كانت موجودة في المنطقة بالتوازي مع جبهة «الممانعة». ويمكن تفسير الزيارة بأنها تأكيد على استمرار مصر داخل جبهة الاعتدال في حكم الرئيس مرسي الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين التي ثارت تخوفات إقليمية بعد وصولها للحكم في مصر بانتخابات حرة ونزيهة، ورجحت هذه التخوفات انتقال مصر ما بعد الثورة إلى جبهة الممانعة العربية، وتجيء الزيارة لتؤكد عكس كل هذه التخوفات، وتشير إلى أن الإخوان المسلمين من خلال شخص الرئيس مرسي راغبون في الدخول في شراكة اقتصادية وسياسية مع قوى الاعتدال الإقليمي والدولي، وأن سياسة مصر الخارجية في عهد مرسي لن تشهد تغييرات مغايرة بحدة لتوجهاتها العامة، وأن التغيّر الحاد في السياسة الخارجية المصرية مستبعدًا تمامًا تجاه الجوار الإقليمي والدولي. وعن دلالات قرار الرئيس مرسي زيارة المملكة، ودعوة الرئيس الإيراني مرسي لزيارة إيران والمشاركة في قمة دول عدم الانحياز، قال حماد: في تقديري أن الإعلان عن زيارة الرئيس مرسي للمملكة بمثابة إعلان مبكر بعدم مشاركة الرئيس مرسي في قمة عدم الانحياز في طهران، مشيرًا إلى أن تلبية الرئيس مرسي لدعوة الرئيس الإيراني احمدي نجاد بزيارة إيران في حال قبولها سيكون إهانة لمصر ولرئيسها، حيث إن الرئيس الإيراني يُعدُّ الرجل الثاني في إيران طبقا للنظام الدستوري الإيراني في حين يمثل الرئيس مرسي الرجل الأول، وكان على إيران أن تقدم الدعوة من رجلها الأول ممثلاً في المرشد حتى تستوي الأمور، وكما حدث مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما عقب فوزه عام 2008، حيث تلقى التهنئة من المرشد، ورد الرئيس الأمريكى على المرشد، وليس على الرئيس الإيرانى. تعاون مهم ومحوري وقال المدير السابق لمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالقوات المسلحة اللواء علاء عزالدين إن زيارة الرئيس مرسي للمملكة، وهي أول زيارة خارجية له عقب توليه السلطة في مصر تؤكد الارتباط العربي لمصر، ومحاولة استعادة دورها في المنطقة العربية، كما قال الرئيس مرسي في خطابة بجامعة القاهرة بمناسبة تنصيبه رئيسًا لمصر، وعمومًا الزيارة تؤكد أيضًا حرص مصر على علاقاتها بالمملكة باعتبارها القوة الإقليمية الرئيسة في منطقة الخليج، وهي «رمانة الميزان» في المنطقة، ولها سياسة معتدلة وواضحة، وتسعى لخدمة قضايا الأمة العربية والإسلامية. وأضاف عزالدين إن التعاون بين مصر والمملكة مهم ومحوري، ومطلوب، وإن تحقيق هذا التعاون والتنسيق سيكون له مردود إيجابي على القضايا العربية وخاصة خدمة القضية الفلسطينية، وهي القضية العربية المحورية، وأيضًا تعاون مصر والمملكة سوف يلعب دورًا مهمًّا في إعادة الاستقرار في منطقة الخليج التي تتعرض لسياسات إيرانية تثير المخاوف في الخليج. وتوقع عزالدين أن يكون للزيارة نتائج جوهرية، بعيدًا عن «رمزية» الزيارة الأولى، وتتمثل النتائج في كون الزيارة دعوة للمستثمرين السعوديين للقدوم إلى مصر الاستقرار والعدالة والقانون، وهذا سوف يخدم مصالح الشعبين الشقيقين.