مقدار ضئيل من الحرية منحته لنا التكنلوجيا ، وصرنا نكتب بحرية - مشوهة - دون حسيب ورقيب أخلاقي : فضحتنا ، وكشفت كل التشوهات الموجودة في دواخلنا ، وأبرزها : العنصرية . والحرية - حتى وإن أتت مشوهة بعض الشئ - هي رائعة .. هي على الأقل ، في هذه الحالة ، تكشف بعض أمراضنا دون تدخل من رقيب يُلطّف ما يجب تلطيفه من الكلمات ، أو " ماكيير " يُخفي بمكياجه بعض دمامل الوجه . وأهم وأخطر الأمراض التي يعاني منها المجتمع السعودي ، هو : مرض العنصرية . بالعنصرية تختطف وظائف وفرص لتُمنح لجهة دون جهة وجماعة دون جماعة . بالعنصرية يتم تقسيم المجتمع حسب اللون والمنطقة والمذهب واللهجة والجهة والأصل . بالعنصرية نهبُّ هبَّة رجل واحد على " كشغري " ونغض الطرف عن تجاوزات غيره . بالعنصرية تسقط " المواطَنة " لتحل محلها : المناطقية والقبلية والمذهبية . بالعنصرية يخرج طبيب نفساني ليحدد الولاءات حسب الجهات ، ويخرج أكاديمي آخر - لديه فائض من الحماقة - ليحدد الفرقة الناجية منّا ، ويوزع صكوك الغفران حسب بوصلته العمياء . جميعنا - يا سادة يا كرام - عنصريون ! أنا ، وهو ، وهي ، وأنتم - يا من تقرؤون الآن - مهما أعلنا التزامنا بقيم التسامح والمساواة فنحن لا نخلو من شكل من أشكال العنصرية الخفيّة ... أنا ، وأنت : أين تشكلنا بهذا الشكل ؟.. أي ثقافة تلك التي رسمت ملامحنا ؟ هل تذكر في تعليمك ( من الأول ابتدائي حتى الثالث ثانوي ) أنك تلقيت حصة تعليمية واحدة تبيّن لك بشاعة العنصرية ؟ هل تذكر في إعلامك المقروء والمسموع والمرئي أن أحدهم أوقف لأنه قال قولاً عنصرياً ؟ هل تذكر أن القضاء عاقب أحدهم بسبب شكل من أشكال التمييز العرقي أو بسبب فعلٍ أول قول عنصري ؟ هل تعرف مادة في القانون تُجرّم العنصرية ؟! أنا ، وأنت ، وهم أبناء هذا المجتمع ، ونتاج لهذه الثقافة : منذ طفولتك تعرض عقلك لملايين الأشرطة والمواعظ والخطب والمطويات والمحاضرات الدينية ... هل تذكر أن أحدهم وقف طويلاً - كما ينبغي - عند حديث الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه ( لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمى على عربي ، ولا لأبيض على أسود . ولا لأسود على أبيض ، إلا بالتقوى ، الناس من آدم ، وآدم من تراب ) مثلما يقف عند عباءة المرأة وقيادة المرأة وعمل المرأة ؟! أنا وأنت - يا سيدي - عنصريون : حتى عندما نرفض قولاً عنصرياً ، تجدنا - دون وعي - نرد بقول عنصري ضد الجهة التي أتى منها صاحب القول .. نعالج العنصرية بعنصرية ، ونجهل فوق جهل الجاهلينا ! العنصريون : حمقى .. حتى وإن ادعوا غير ذلك . العنصريون : مرضى .. حتى وإن أعجبتكم أجسامهم ، وخدعتك حروف " الدال " التي تسبق أسماءهم . كلما تقدم الوعي والمعرفة والحضارة لدى الأفراد / الأمم قلّت عنصريتهم تجاه الأشياء ، وصاروا يتعاملون معها على أنها صفة بشعة ودنيئة . الإنسان - يا سادة - لا يختار أصله ، ولا لونه ، ولا مكان ولادته ، فلماذا يُصر البعض منا على معاملة البشر وفقاً لهذه الأشياء ؟ لا مجد لابن غني على ابن فقير . ولا للون ضد لون آخر .. الحياة رائعة بتعدد ألوانها . ولا تميّز لعرق ضد عرق آخر .. فتكوين الإنسان في كل مكان واحد . هذه أشياء لا نتحكم بها ، ولا نختارها .. المجد بما نختاره من أفعال وأقوال وما نؤمن به من مبادئ خيّرة . [email protected]