فى فيلم «معالى الوزير» للسيناريست وحيد حامد يتعرض الوزير الفاسد رأفت رستم الذى أدى دوره الفنان أحمد زكى لكوابيس كل ليلة جعلته يخشى النوم ولا يهنأ به . الفيلم جيد ، إلا أن ثمة خطأ دراميا راجعا الى خطأ علمى يتعلق بسيكولوجية الأحلام . فالشخصية كما تبدو فى الفيلم مشوهة الى النخاع ، غارقة فى أطماعها ، مقيدة بحبائل الشر ، هذه النوعية من النفوس لا تزورها الكوابيس ، على الأقل ليس بذلك التواتر اليومى المنهك . الأحلام بشكل عام خبرات غير سارة، لا يوجد حلم مبهج لغرض الترفيه عن النائم ، هذه ليست وظيفة الأحلام . تصدر الأحلام فى العموم عن عدم استقرار نفسى ، راجع الى دوافع متعارضة ، تطالب بتسوية صراعاتها ، وهى حالة سوية (لنقُل سوية الى حد ما) ، فعدم الاستقرار هو الأصل والمبدأ ، لذلك فكل الناس يحلمون . فى الحالات الحادة فقط يتحول الأمر الى ظاهرة مرضية ، عندما يشتد الصراع بين الدوافع المتناقضة ، ويعجز العقل والإرادة عن التوصل الى تسوية تحقق السلام الداخلى ، هذه الحالات الحادة مرتع الكوابيس . فى الشخصيات التى تنمحق داخلها الدوافع النبيلة لا يعود ثمة صراع مولّد لكوابيس ، إنمحاقها يتحقق عبر تكيفات نفسية تنتهى بالشخصية الى فقدان لا إسترداد بعده ، ولا منقذ لها من الضياع، دون أن تدرك فداحة سقوطها ، أو نفاسة ما ضاع ، خاصة إذا موه هذا السقوط نجاح ظاهرى يوحى بالعكس ، بل تعتقد عن يقين بأن ما تفعله عين الحكمة والصواب . قدم الفيلم رأفت رستم كشخصية من هذا النوع ، فإذا كانت الكوابيس مؤشراً الى أن دوافع خيرة لا زالت تلح داخله ، فثمة خطأ درامى حيث لا توجد ولا إيماءة واحدة فى سلوكه تدل على بصيص من خير. وإذا كان الخير موجودا لكنه ضعيف ومتوارٍ فلا مجال لكوابيس بهذه القسوة، لأن عنف الكوابيس مؤشر الى عنف الصراع ، وعنفه راجع الى قوة الدوافع المتصارعة ، والى أن الدوافع المكبوتة المستبعدة بسبب مقتضيات الواقع الحياتى أقوى من التى أملت خيارات الشخصية ، فهى التى تقرع ، ويأتى تقريعها على شكل كابوس ، وشدة الكابوس وضراوته راجعة الى قوتها لا ضعفها . هذا يعنى أن الكوابيس ليست شيئا كريهاً تماماً كما نظن ، فى بعض الأحيان يكون غيابها مؤشراً أدعى للقلق ، فوجودها دال على أن ثمة أملاً ، وأملاً قوى (بدليل قسوة التقريع) إن أحسنت الشخصية الإنصات وصححت خياراتها .. الأحلام أفكار تطرح قضايا بطريقة خاصة مميزة نتيجة عمل نشط للاوعى، مما يجعلها غير مفهومة ، فالوعى لا يتعاطى مع القضايا والأفكار بهذه الطريقة . أحد مهامها الرئيسية تتدرج من التنبيه الى التحذير الى التقريع ، وتحت الدرجة الأخيرة تندرج الكوابيس. إضافة أخيرة ، الأحلام عموما والكوابيس خصوصا لا تعبر عن نفسها بالشكل المباشر السهل الذى عرضه الفيلم .