تتسارع أرتام الحياة العصرية وتتعدد معطياتها.. وما من شك فإن حياة اليوم تشهد ثورة هائلة في مجالات التقنية والاتصال والتواصل وبالتالي أصبحت المعلومة سهلة التداول والخبر سريع الانتشار.. ومن هنا تزاوجت القيم وتلاقحت الثقافات بما يغير في أحيان كثيرة بعض المفاهيم!!. وما كان بالأمس غريبًا ومستهجنا أصبح وفق ثقافة وحياة العصر أمرًا عاديًا؛ بل إنه قد يلقى القبول والإشادة!!. وفي المشهد التشكيلي المعاصر تتبدى هذه المعادلة بوجه أو بآخر، فما كنا ندرسه ونتعلمه ونتلقاه من أساتذتنا في علوم الفن التشكيلي من أنظمة وقوانين وضوابط صارمة أصبحت «مغيبة» أو قل هامشية!! فبالأمس مثلًا كانت الأعمال الفنية تخضع لضوابط فنية دقيقة، كما في النسب والظل والضوء والتكوين والمنظور والأبعاد والملامس والتوافق اللوني والتنافر وغيرها من مسلمات العمل الفني.. من هنا كان القيد شديدًا ومحكمًا حول أنامل التشكيلي، وكانت التعليمات مشددة في هذا الجانب، مما ألقى في حينه بظلاله على انطلاقة الفنان وتحليقه في عالم الخيال والإبداع، وربما حال ذلك دون بروز الموهبة، وحال أيضًا دون تواصل الموهوبين مع عطاءاتهم؛ وبالتالي تحجيم المواهب، وربما وأدها في مهدها!! عكس كل ذلك ما يحدث في هذا المجال في عالم اليوم ومعطيات الحياة العصرية المتعددة، والنقلة الهائلة في الذائقة والتذوق، فلقد وجد فنان اليوم الفضاءات أمامه مفتوحة، وحرية الانطلاق على الآخر، وما عليه سوى الإبحار مع الجمال وفق خيالاته وأفكاره ورؤاه وأدواته أيًا كانت.. لقد ارتفعت ذوائق البشر، وأصبح لديهم القدرة على فرز الجمال وتذوقه وإدراكه والتغلغل في كل التفاصيل، ولم يعد يعنى المتلقي بالضوابط والشروط التقليدية التي يجب توفرها في المنجز، ولم تعد تستهويه أيضًا المدارس التقليدية؛ لأن المطلب الرئيس هو الجمال وقدرة العمل أيًا كان أيضًا على استدعاء المتلقي.. والمتابع لما يطرح في الأعمال المفاهيمية يجد وضوحًا لهذا التصور من خلال ما يتم عرضه من إرهاصات وأفكار وخيالات ورؤى ربما تدعو للغرابة، وبما يجسد في أحوال كثيره مقولة (الفنون جنون)!!. يظل الفن التشكيلي بكل عوالمه ومعطياته عالما مسكونا بالروعة والجمال وبالدهشة والغرابة أيضًا!!.