طالبت الفنانة التشكيلية بدور السديري بإيجاد اتحاد يختص بالفنون البصرية أسوة بالاتحادات الرياضية المحلية والدولية، مناشدة كذلك بالاهتمام بالنشء في نطاق التعليم، وتنمية التربية الفنية والتذوق الفني والجمالي لديهم، والاستفادة الفعلية للمدرسين والمجتمع من مادة الفنون. مبينة أنها ماضية في مشروعها لإيجاد شراكة بين الفنون التشكيلية والسياحة، مشيرة إلى أن عددًا كبيرًا من الفنانين قد هاجروا بأعمالهم المميزة خارج البلاد؛ لعدم وجود الدعم والمساندة.. مسيرة السديري مع الفن التشكيلي في سياق هذا الحوار.. خطوات نحو التشكيل * ما الذي قاد خطاك إلى عالم الفن التشكيلي واستهواك فيه؟ إنه العالم الذي يربط ويوثق، وهو العالم الذي منحني الثقة للتعبير لمن حولي والتعبير عن نفسي. قبل دخولي للمدرسة كانت العائلة (والدي ووالدتي) هم الداعم لتحريك ثقافة التأمل والتفكر في خلق الله أولًا، ومنذ الصغر وأنا استمع لتأملاتهم اليومية في كل ما هو جميل حولنا، فتعلمت تذوق الجمال في مخلوقات الله من حولنا، فكنت أسمع التسبيح لله دومًا تردده أمي على مسامعي عند رؤيتها لنبتة نادرة بصحراء مليئة بالتفاصيل الأجمل من جبال وكثبان رملية، وصخور منحوتة بفعل عوامل التعرية وغيرها.. استمع لها مرة، وأخرى عندما يرى والدي العظمة في تكوين الإبل وتفسيره لي للآية: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت).. ازددت تأملًا عندما رأيت النقوش الأثرية، وتعبير الإنسان منذ القدم، وتيقنت أن الفن التشكيلي ليس تعبيرًا عن إحساس فردي فقط، وإنما هو العالم بكل تفاصيله، وهو المصوّر للتاريخ عبر القرون، والذي نستطيع أن نعبّر عنه بدون أي حواجز وبدون ترجمة. فهو عندي لغة أستطيع من خلالها التعبير عن نفسي ومجتمعي وديني وهويتي، وأنقل الرسائل بكل عفوية.. بكل بساطة أشعر بوجود نفسي وتفاعلي مع المجتمع من خلاله، وبدأت منذ بدايات المرحلة الابتدائية كانت أعمالي تعلّق بالغرفة الخاصة بمعرض التربية الفنية، وأجمّل دفاتري دومًا برسوماتي خلال أداء الواجبات اليومية. أحببت مادة التربية الفنية، وتخصصت فيها بعد التخرج من المرحلة الثانوية لأجد نفسي الآن مبتدئة في الغوص بهذا العالم الجميل. ثقافة وطن * ألحظ من إجابتك انحيازًا كاملًا للفنون التشكيلية.. فلمَ ذلك؟ الفنون التشكيلية بالنسبة لي هي ثقافة وطن، فحضارات الدول وثقافاتها تقاس بالفنون البصرية، ومعرفتي لأي بلد تكون بالفنون لسبب وهو وصول الرسائل البصرية من أي بلد كان بدون ترجمة اللغات، وهي اللغة الوحيدة المفهومة لدى شتى الحضارات، وهي مرآة تعكس مدى تطور الثقافات والفكر لدى المجتمع.. الفنون التشكيلية واجهة حضارية واقتصادية كبيرة، وهي بالنسبة لي سياحة أتعرف فيها على ثقافة البلدان الأخرى، وهي تعريف بصري كامل أعرّف بها بلدي، وأنقل لهم الصورة المشرقة لبلاد الحرمين والتنوّع البيئي الملئ بالتفاصيل والتراث الزاخر والمتنوّع من شمال المملكة وحتى الجنوب ومن الشرق حتى الغرب؛ لطالما كانت المعارض التشكيلية المرآة العاكسة للبيئة التي يعيشها الفنان والتي يطلع بها البلد الآخر على التنوع البيئي المختلف في السعودية، خصوصًا عندما تكون لوحات تشكيلية تعرض فيها مثلًا آثار المملكة المهمة والموجودة من آلاف السنين، وتلفت انتباه المجتمعات الغربية مثلًا والتي لا تعرف شيئًا عن التراث والمعالم التاريخية في المملكة، وأيضًا عندما يستلهم الفنان أعماله من أحد الأماكن الجغرافية الرائعة فيها، فهي وسيلة تواصل قوية ومهمة ذات بعد ثقافي تذوب فيها جميع السياسات والحواجز؛ لنشر قيمنا وهويتنا وفكرنا لشعوب العالم. خيال مباغت * خلال مسيرتك هل حرصت على نهج مدرسة فنية معينة؟ لم أفكر أبدًا أن أنتهج مدرسة معينة بحد ذاتها، فعند بداية أي عمل يتركز بذهني ذلك الشكل الذي أدرس تفاصيله في مخيلتي، ثم أبدأ بجمع الأفكار والأبعاد والألوان وكل ما يخطر بمشاعر الإنسان، وعندها تنطلق الخطوط والألوان لتصوغ نفسها على المساحات الفارغة، فأجد نفسي مجبرة على إنهائها وتشكيل ما بمخيلتي مباشرة على اللوحة. ويأتي أحيانًا العمل الآخر مباغتًا في خيالاتي، عندها أبدأ من جديد بالاستعداد لنقلها من مخيلتي إلى الواقع، وقد لا يشبه العمل الجديد ذلك الذي كان قبله أحيانًا. وعمومًا تلاحظ كثيرًا في أعمالي الحالية والسابقة إدخال الخامات مختلفة (كولاج)، ولا أعلم متى ستنتهي؛ ربما باللوحة القادمة.. لا أعلم. لوحة جاذبة * في ضوء ما تقولين.. ما هي اللوحة الفنية التي تجدين نفسك منجذبة إليها؟ كل عمل فني حقيقي هو حقيقة يجذب، أجد نفسي منجذبة إلى: لوحة ذات معنى وهدف سامي، واللوحة التي تحوي بين ألوانها وتفاصيلها فكرًا أصيلًا، واللوحة التي أجد بها الفرح والتفاؤل.. وأكثر مايجذبني هو الفكر الذي يحويه العمل أيًّا كانت مدرسته الفنية، والتشكيلي هو من يصنع بالتأكيد هذا الانجذاب بين اللوحة والمتلقي، وعلى عاتقه حمل كبير لإيصاله للمتلقي أو المتذوق. نقص الدعم * كيف تقيِّمين الحركة التشكيلية بالمملكة.. وماذا ينقص الفنان السعودي برأيك؟؟ لست أنا من يقيِّم الحركة التشكيلية، فأنا لازلت في بدياتي، وقد قيّمت الحركة التشكيلية السعودية على أيدي فنانينا الكبار والنقاد من خلال كتب فنية ترصد الحركة التشكيلية في المملكة، ولكن الجميع يلاحظ بداية حركة نشطة نوعًا ما في الساحة التشكيلية بجهود الفنانين أنفسهم وبعض من الجهات المتخصصة.. أما الشق الثاني من السؤال والمتعلق بالفنان السعودي فإني أرى أنه كفنان لم ينقصة شيء؛ بل بالعكس وصلت أعمال الفنان السعودي إلى العالمية، ولكن بالمقابل تنقصه الكثير من النواحي الأخرى، فهو لا يتلقّى الدعم الذي يحتاجه كما هو ملاحظ في بلدان أخرى، كما ينقصه الاحتفاء العالمي فهو الأحق بأن يحتفى به في منطقتنا. فمحزن أن تقيّم أعمال الفنان السعودي كما يجب خارجيًا ويجد التجاهل في وطنه؛ لذلك نلاحظ أن عددًا من الأعمال المميزة وكثيرًا من المبدعين المتميزين يهاجرون بلا عودة؛ نظرًا للنقص الكبير في دعم الفنون لدينا؛ ولذلك أتمنى وجود اتحاد يختص بالفنون كاتحادات الرياضة المحلية والدولية واهتمامهم بها، والاهتمام بالنشء في نطاق التعليم حيث تنمي التربية الفنية التذوق الفني والجمالي، والاتساع في مفهوم التراث والثقافة للطالب وتنميتها من خلال الحصص المدرسية وإيضاح أهميتها لأولياء الأمور، والاستفادة الفعلية للمدرسين والمجتمع من هذه المادة المهمشة. تفاؤل بالمستقبل * ما هي نظرتك المستقبلية للتشكيل السعودي؟ نظرة كلها تفاؤل ونجاحات كبيرة، والتشكيليات السعوديات بالذات لديهن حراك قوي حاليًا نراه في أكثر من محفل، وأتوقع وأجزم بأن الفنون السعودية ستكون من أكثر الفنون أهمية في حال دعم وزارة الثقافة والإعلام، وهي لها توجهات جديدة الآن على جميع الأصعدة ومنها الفنون التشكيلية، وأعتقد هي فترة وقتية فقط نتمنى ألا تطول مدتها. بين التشكيل والسياحة * سعيت إلى إيجاد شراكة بين الفنون البصرية والقطاع السياحي.. فهل تحققت أهدافك؟ قضية تقديم فكر وثقافة الوطن من خلال الفن التشكيلي هو ما يشغلني، فالحضارات عرفت بفنونها، وحقيقة كان الفنانون التشكيلون سعداء بالمشاركة ضمن المعارض التي أقيمت وتمت مشاركتي فيها في معرض الملتقى السياحي الأول بمحافظة الغاط وفي معرض ملتقى السفير والاستثمار2010 والآن بصدد مشاركة بعض الفنانين لمعرض دولي. ونحن كفنانين تشكيليين نشكر صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار دعمه للفنون البصرية، كما أنني مازلت آمل تحقيق الأكثر بدعم راعي السياحة الأول صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، وكذلك وزارة الثقافة والإعلام والتي نأمل منها دعم المواهب الجديدة والسعي للاستفادة الكبيرة لذلك من جميع الجوانب. دور (جسفت) * أي دور لجمعية التشكيليين (جسفت) في دعم الفنانات التشكيليات؟ حاليًا يقام معرض تشكيلي خاص بأعضاء الجمعية وهي خطوة رائعة، ننتظرها بعد فترة قصيرة، والخطوة الأجمل هي إقامة ملتقى للفنانات كل فترة معينة تترأسها الأستاذة منال الرويشد عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للفنون التشكيلية بالرياض تناقش فيها ما يهم التشكيليات على الساحة وطرح المواضيع التي تخدم جوانب متعددة للفنون التشكيلية السعودية، وللأسف توقفت بعد أول بداياتها لمعوقات أخرى؛ حيث لم نرَ الدعم بعد بالمستوى المأمول، وللأسف لازالت الجمعية تعاني من معوقات تعرقل أهدافها برغم أنها لازالت في مرحلة التأسيس.