في خضم الأحزان التي نعيشها وفي لحظات تغتسل بها النفوس من ألم المواجع وصعوبة الفراق على رجل طالما وصف بالحكمة والحنكة، تجلت لنا صوره في كل موضع وشعرنا بقيمة الرجل عند فراقه وأحسسنا بأن ركائز أمننا الذي نعيشه كان من صنع نايف وبصمته. إن حزننا الأليم على رحيل الأمير الإنسان نايف بن عبدالعزيز لا تزلّف فيه أورياء، لأن الذي عاصر الأحداث الماضية على المستوى المحلي والعربي يعرف تمامًا أنه لولا الله تعالى ثم الدراية والمشورة التي عمل بها وزراء الداخلية العرب في اجتماعاتهم كانت من فكر نايف بن عبدالعزيز الذي أحبط كل المحاولات لزعزعة وحدة الأمة أمنيًا، واستشعر كل من يقيم على هذه الأرض المباركة أهمية الأمن الذي نعيشه حين نسمع ونقرأ ونشاهد ما يحل بالعالم من نكبات وأحداث أمنية عجزوا عن القضاء عليها، بيد أن رحيل نايف الذي أدمى الأفئدة سيبقى نقطة في سويداء القلب لأننا نحبه كأب وكرمز للأمن. التقيت سموه -رحمه الله- ذات مساء في حفل بمقر الغرفة التجارية الصناعية بجدة، وعندما قدّمت نفسي لسموه خاصةً وأن عيناي تفتحت على حب هذا الوطن ولا أعرف غيره، واستمد منه جسدي الوطنية والحب والولاء لقيادتنا الرشيدة فكان سموه -رحمه الله- شديد العاطفة والأبوة الصادقة وهو يربت على كتفي بالقول.. أبشر أبشر .. واليوم ونحن نستشرف الأمل بالأمر السامي الكريم الذي قضى بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز وزيرًا للداخلية نعرف جميعًا من هو أحمد بن عبدالعزيزالذي تتلمذ على يدي شقيقه الأكبر نايف ونهل منه علم الأمن وهو الرجل الذي أجمعت على أهليته كل الآراء،.. أمراء ووزراء ومسؤولون ومواطنون.. أجمعوا على أن هذا المنصب ليس بغريب عليه فهو رجل الأمن الذي عاصر بناء أجهزة الدولة الأمنية والكثير من القضايا المهمة التي واجهها الوطن في الداخل والخارج، وكان العضد الأمين للأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- عبر إسهامه في معالجة العديد من الملفات والمراحل الحساسة في الدولة، ويأتي تعيين الأمير أحمد وهو الأقدر على حمل هذه المسؤولية، ليستمر أمن وأمان وطننا الغالي ولينعم بهما كل من يعيش على أرض المملكة الحبيبة. هي ثقة ملكية صادفت أهلها ممثلة في شخصية الأمير أحمد وما يمتلكه من قدرات بالغة الخبرة والمعرفة الدقيقة بتفاصيل شئون البلاد وأمنها وأمانها والتي اكتسبها طوال فترة عمله نائباً لوزير الداخلية التي امتدت لأكثر من 37 عاماً منذ نهاية العام 1395ه ساهم خلالها بكل فاعلية واقتدار في معالجة العديد من الملفات الساخنة التي مرت بها المملكة العربية السعودية في كثير من مراحلها الزمنية ، منها ملف الإرهاب وملف تهريب المخدرات وملف التهريب والتسلل وملف الأمن الإقليمي والخارجي وملف الاختراق الإعلامي الهادف إلى تغريب الشباب وأبناء الوطن وملف محاولات العبث بالوحدة الوطنية وغيرها العديد من الملفات الداخلية والإقليمية والدولية التي تمس المملكة . دكتور العلوم الإنسانية أحمد بن عبدالعزيز الدكتور في العلوم الإنسانية من جامعة ردلاندز بولاية كاليفورنيا الأمريكية، هو الوزير التاسع للداخلية والنائب الثاني لها منذ أن تأسست. وكما أشار المقربون من سموه فإنه هادئ ورزين خبير بالأنظمة والتعليمات، راعي الروية والتأني في إصدار القرارات ومتابع لصيق لأمور البلاد والعباد حيث لا تهمل مظلمة ولا يضيع حق. كل مواطن خفير كل مواطن خفير.. بهذه العبارة بدأ الأمير أحمد بن عبدالعزيز تسنّمه هرم وزارة الداخلية بعد أن أدّى القسم أمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وقال: سنؤدي الواجب كما يجب بحول الله وقوته ثم بمساعدة الزملاء في وزارة الداخلية، ودعا الجميع للتكاتف والعمل من أجل أمن واستقرار هذا البلد وراحة مواطنيه.. ونلاحظ هنا أن سموّه يؤكد على تعضيد مسئولي ومنسوبي الداخلية له ليكونوا مساندين له في مواصلة المسيرة وتحمّل جسامة المسؤولية وعظمتها وما تتطلبه من جهود مستمرة وفكر متيقظ وعقل سريع البديهة وجسد حاضر للذود عن تراب الوطن الطاهر من أجل استمرار ترسيخ الأمن والاستقرار لهذا البلد العظيم لينعم الجميع بما أنعم الله تعالى علينا من نعمة الأمن والأمان التي قلما تجد لها نظيرًا في أرجاء المعمورة منذ أن دعا خليل الله سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {ربِّ اجعل هذا البلد آمنًا}. نائب مخضرم والمتصفح في حياة الأمير أحمد بن عبدالعزيز يعرف تمامًا أنه يستحق ما قاله الجميع عنه، ولست هنا بصدد الحديث عن صفاته وسماته، ولكني أحاول أن أستجمع ما قيل عنه من المقربين لسموه والمنتسبين للحقل الأمني، إذ يؤكد رجالات الأمن أن الأمير أحمد يعد نبراسًا للقيادة في ساحة العمل الأمني والرجل الصامت الذي يعمل باحترافية بالغة الدقة، كما كان محفزًا دائمًا لتطويرالعمل الأمني في المملكة وأن تعيينه وزيرًا للداخلة جاء ليعزز ما تتمتع به هذه الشخصية من قوة وحنكة ورجاحة عقل وسداد رأي، وفضلاً عن ذلك فالأمير أحمد متحدث حصيف ومحاور قوي وهو النائب لأخيه الراحل العظيم نايف بن عبدالعزيز على جميع الأصعدة المحلية والعربية والدولية ومن أبرزها التصدي لآفة الإرهاب وقضّ مضاجع الخلايا الإرهابية. وكان الأمير أحمد دائمًا ما يظهر كلمات الأسف والحزن على فئات الفكر الضال من أبناء هذا البلد الكريم، من كلماته: «كنا نأمل ولا زلنا نأمل فيهم أن يتجهوا للطريق الصحيح لطريق الخير والبناء وليس لطريق الهدم». ودائمًا ما يؤكد سموه عبر رسائل عديدة وجهها لدول الغرب عدم صحة ارتباط الإرهاب بالسعوديين. وفي تقرير دولي نشرته رويترز، أوضح نيل باتريك خبير الشؤون الأمنية لمنطقة الخليج بكلية لندن للاقتصاد: أن الأمير أحمد هو نائب مخضرم لوزير الداخلية يتعامل مع القضايا الأمنية بمفهومها الأوسع نطاقًا بما في ذلك جهاز الشرطة. الأول في الفكر والمتابعة عمل الأمير أحمد في بداية حياته المهنية وكيلًا لإمارة منطقة مكةالمكرمة وهي المهمة الرسمية الأولى له في العمل الحكومي مطلع العام 1391 الموافق 1971م، وسجل نفسه كأول مسؤول يقوم بزيارات ميدانية للمناطق الجنوبية من مكةالمكرمة، ولامس بمسؤوليته حاجات الأهالي في كل منطقة واستمع لآمالهم وتطلعاتهم وقضى أوقاتًا بينهم، وعلى إثر ذلك أنشِئ الطريق الرابط بين تلك المناطق حتى منطقة جازان. وفي الشأن الرسمي عقد أول اجتماع لمسؤولي المحافظات والمراكز الخاضعة لإمارة منطقة مكةالمكرمة، وشمل ذلك ممثلين من الوزارات الخدمية كالصحة والبلديات والزراعة والمياه والكهرباء ونتج عن ذلك تطوير الخدمات عمومًا، ولما كانت المسؤولية المباشرة عن الحج وضيوف بيت الله الحرام تقع تحت أعمال ومهام إمارة منطقة مكةالمكرمة، شمر الأمير أحمد بن عبدالعزيز عن ساعديه وأخذ يعمل بصمت الرجال إذ يعد المؤسس الأول والفعلي للدراسات الميدانية للحج، ووقف وراء تنفيذ دراسات ميدانية للحج باقتراح منه رفعها إلى وزير الداخلية ووافق عليه المقام السامي، وعلى إثرها تشكلت لجنة مشتركة من الوزارات المعنية كفريق عمل موحد لأداء هذه المهمة المقترحة وتنفيذها على أرض الواقع وأنشىء على ضوء ذلك مركز أبحاث الحج القائم حتى الآن. ويروي المقربون من الأمير أحمد الكثير من المواقف ، إذ يقول مثقال بن غريب الفداغي الذي رافق الأمير أحمد لمدة تزيد عن 22 عامًا: «إنه لم يشاهد الأمير متذمرًا أو غاضبًا طيلة تلك السنوات بالرغم من استقباله للكثير من المواطنين والمقيمين بشكل أسبوعي، وبرغم اختلاف أساليب الناس وحاجاتهم، إلا أن الأمير يُشعر كل من وصل إليه بأهمية ما جاء من أجله. ويقول الفداغي: إن الأمير أحمد رجل يحب الخير للناس جميعًا ويتميز بالعطف عليهم وفي رحلاته في الداخل والخارج يحرص على وجود المرافقين معه حتى على مائدة الطعام ولا يطيب له الأكل إلا بوجودهم حوله. وعن صبر الأمير وقوة تحمله للمهام الجسام، يؤكد الفداغي أن سموه يعمل لساعات طويلة جدًا في مكتبه دون كلل أو ملل، وأحيانًا لا يخرج إلا ليرتاح قليلًا ومن ثم يعود مجددًا للعمل، ويميزه في عمله قراءة المعاملات بشكل متأنٍّ ليحقق العدل. ولكن التاريخ يشهد قبل الناس، بأن الأمير رجل إداري ومثقف ومطلع على أدق الأمور في الشأن العام، ولديه قرارات حكيمة وفورية، وكان يقف في الميدان للإشراف على حركة المرور في موسم الحج مع قادة الأمن والمرور، وهو رجل متواضع يتواصل مع الناس ولديه الكثير من الأعمال الخيرية ولا يرغب ذكر اسمه أو معرفة أحد عنها، وهولا يقبل الظلم أوالتعدي على حقوق الآخرين خاصةً في موضوعات الأراضي والمنح والتعديات أوتطبيق المنح دون وجه حق، كما أنه معروف بالدقة المتناهية في متابعة المعاملات ولا يكتفي بالعرض بل يتصفح المعاملة بدقة. عندما تكتب عن رجل مثل أحمد بن عبدالعزيز أو غيره من الرجال الأفذاذ الذين لديهم بصمتهم في رحاب الوطن ولامست منجزاتهم أرجاء البلاد وحياة العباد، فلابد لك أن تتمهل كثيرًا لتقرأ كل ما كتب عنه وتتأمله، كيف لا يكون كذلك وهو من تربى في حضن المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ذاك الرجل الذي يطلب أن يقتص منه من لديه مظلمة وهنا أختتم هذه الكلمات بما أكده الأمير أحمد وهذا ديدن الأوفياء المخلصين، إذ قال بلوعة الفراق على أخيه وهو يقف على قبره: .. الأمير نايف كان قدوة لي في كافة الأمور وفي إخلاصه لدينه وأمته ومليكه، فهو بحق قدوة صالحة ونبراس لنا ولكافة أبناء الشعب السعودي. ويصفه الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية حين قدّم إليه العزاء: كنتم له الساعد المتين والنائب الأمين، رافقتم مسيرته المظفرة في خدمة دينه ومليكه ووطنه، وعاضدتم جهوده المباركة بعزيمتكم القوية وحكمتكم المعهودة ورؤيتكم السديدة.