هكذا تُفجع الأمم عند رحيل الرجال العظماء، الذين يتركون بصماتهم الواضحة في حياتهم، والمؤثرة في مسيرتهم، وهكذا يُخيّم الحزن على القلوب، عند فقدان المخلصين لوطنهم، الأوفياء لأمّتهم، فقد فُجعت المملكة العربية السعودية، ومعها الأمة العربية والإسلامية برحيل صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، الذي أحبته قلوب أبناء المملكة، فقد عرفوا فيه -رحمه الله- مثال الإخلاص، ونموذج العطاء والوفاء، ورأوا وشاهدوا فيه نموذج العمل الدؤوب، حين تكون خدمة الدين هي الميدان، وصالح المسلمين هو المجال، ومد يد العون للإنسان هو الغاية. لقد ذرف أبناء المملكة -ومعهم محبو الراحل الكبير- دموع الحزن لرحيله، وطافت بين تلك الدموع الحزينة ذكريات لا تُنسى، جعلت دفق الدموع أكثر، وشدة الحزن أشد، وارتفعت أكف الضراعة إلى الله أن يرحم الفقيد الذي أحببناه، وأحبّه أبناء المسلمين في كل مكان، وأن يسكنه فسيح جناته في عليين، جزاء ما قدّم لوطنه، ولأمته الإسلامية، وللإنسانية جمعاء. ولقد بلغ الحزن مداه لرحيل نايف الخير والعطاء، ولم تصبح العبارات قادرة على التعبير، ونحن نستقبل في مؤسسة مطوفي حجاج جنوب آسيا، تلك المشاعر الفيّاضة حزنًا، المليئة وفاءً، من كثير ممّن كان لنا شرف خدمتهم في مواسم الحج، وكيف لا والفقيد -يرحمه الله- هو الذي جعل خدمة الحجاج، والأماكن المقدسة شرفًا له، وجعل توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه الله- أمرًا واقعًا في خدمة الحجيج، وجعلها متجسّدة، ظاهرة للعيان، وشهدها حجاج بيت الله الحرام، والمعتمرون، ومَن يشدُّون الرحال إلى مسجد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد بسط -رحمه الله- الأمن والأمان في المشاعر المقدسة، وظل أمن الحج، وراحة الحجيج وسلامتهم -منذ أن تطأ أقدامهم أرض الوطن- هو محور اهتمامه، وشغله الشاغل، فجاء الأمن الشامل في الحج موضع فخر وتقدير من كافة أبناء المسلمين، كما ظلت اللجنة العليا للحج برئاسته -عليه رحمة الله- خلية نحل تعمل على مدى العام، حرصًا منه على تطوير الخدمات المقدمة لأغلى الضيوف، فلا عجب أن تُذرف الدموع، وتحزن القلوب لفقدان رجل هذا شأنه، قضى حياته في خدمة ضيوف بيت الله، ووجّه جهوده لخدمة السيرة النبوية، ونشر الثقافة الإسلامية والعربية خارج الوطن العربي، وحرص على دعم جهود العلماء والباحثين في الفكر الإسلامي. رحم الله نايف بن عبدالعزيز، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه بفضله وكرمه خير الجزاء، "إنا لله وإنا إليه راجعون".