رحل فارسٌ آخر من فرسان هذا الوطن العزيز، مخلّفًا وراءه أثقالاً من الحزن العميق فوق صدر الشعب السعودي الأصيل.. وأيضًا ذكرى عزيزة ليست قابلة للنسيان. فنايف بن عبدالعزيز لم يكن فقط رمزًا شامخًا من رموز الوطن، وجنديًا ومحاربًا ومناضلاً شرسًا في الدفاع عن عقيدته، ومقدساته، وأمنه، وشعبه، وترابه، وتراثه، وإنما كان أيضًا إنسانًا بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ يحمل في شخصه معالم هذا الوطن السخي في عطائه، النبيل في خصاله، الوفي في شمائله، فكان تلميذًا نجيبًا لمدرسة عبدالعزيز آل سعود، وابنًا بارًا لمنهج تلك المدرسة الذي يقوم أساسًا على مبادئ الإسلام الحنيف. ترجّل الفارس الذي حمل هم الوطن منذ نعومة أظفاره عن فرسه لتصعد روحه إلى بارئها وهي مطمئنة، بعد أن أدّى الأمانة، وأخلص في حمل وتحمّل مسؤوليتها على أكمل وجه، بعد أن نجح في تأسيس أقوى جهاز لمكافحة الإرهاب في العالم، وبعد أن نجح في إنشاء منظومة أمنية متكاملة، من حيث التدريب، والمهارة، والتجهيز، وأيضًا بعد أن وضع أسسًا إستراتيجية أمنية أصبحت مثالاً يُحتذى على الصعيد العالمي، وهو ما يبعث على الاطمئنان بأن حالة الأمن والاستقرار التي شكّلت السمة البارزة لهذا الوطن ستظل -بإذن الله ورعايته- على ما هي، ثم بفضل تلك الجهود والإنجازات والنجاحات الأمنية التي ارتبطت بسموه على مدى أكثر من 35 عامًا من العمل المضني، كمسؤول أمني أول عن وطن مترامي الأطراف، هو قبلة المسلمين، ومهوى أفئدتهم، وموطن الرسالة.. وطن هو الأكبر في انتاج وتصدير النفط على مستوى العالم.. وطن أخذ على عاتقه منذ عهد القائد المؤسس الملك عبدالعزيز-يرحمه الله- الدفاع عن قضايا أمته. لعله ليس من قبيل المبالغة القول إن سمو ولي العهد سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز كان رجل دولة من الطراز الأول، يتمتع بشخصية قيادية فذة، وحس أمني في كل ذرة من كيانه، وأنه كان يمتلك رؤية إستراتيجية ونظرة ثاقبة، وأن إنجازاته التي لا تعد ولا تُحصى التي تعدّت حدود المملكة، وتخطّت المنطقة إلى آفاق عالمية ستظل ناقوسًا يدق في الذاكرة السعودية لأمير قدّم الكثير لوطنه. رحمك الله أميرنا الغالي.