قال أحد القدماء: "التَّواضع يُكْسِبُ السَّلامة، ويُورث الأُلفةَ، ويرفع الحقدَ ويُذهب الصَّدَّ، وثمرة التَّواضع المحبَّة، كما أنَّ ثمرة القناعة الرَّاحة، وما استُجلبت البغضاءُ بمثل التَّكبُّر ولا اكتُسِبَت المحبَّة بمثل التَّواضع، ومَن استطال على الإخوانَّ فلا يثقنَّ منهم بالصَّفاء، ولا تكادُ ترى تائهًا إلا وضيعًا". وورد في مصادر التُّراث عن أبي حاتم البستي أنَّه قال :"العاقل إذا رأى من هو أكبر منه سِنًَّا تَوَاضَع له، وقال: قد سبقني إلى الإسلام، وإذا رأى من هو أصغر سنًَّا منه تواضع له، وقال: سبقته بالذُّنوب، وإذا رأَى مَنْ هُوَ مِثْلُه عَدَّه أخًا، فكيف يَحْسُنَ تكبُّر المرءِ على أخيه". وفي التُّراث الشِّعري نماذج كثيرة تُعلي من شأن هذا الخلق الكريم، وتدعو إلى التخُّلق به، ومن ذلك ما يظهر في شعر أُسامة بن منقذ، حيث يشير إلى المحامد التي يجنيها المتواضع من تواضعه، يقول: حُسْنُ التَّواضُعِ في الكريم يزيدُهُ فضلًا على الأَضرابِ والأَمْثَالِ يكسُوهُ مِنْ حُسْنِ الثَّناءِ ملابسًا تَنْبُو عن المُتَرَفِّعِ المُخْتَالِ إِنَّ السُّيولَ إلى القرارِ سريعةٌ والسَّيلُ حربٌ للمكانِ العالي ويشيد الشَّاعرُ شرفُ الدين الأنصاري بهذه الخصلةِ، ويرى فيها طريقًا سهلًا يُوصِلُ صاحبَه الى الرُّقيِّ والسُّمو، ويُقرِّ به إلى قلوب الأخرين، حيث يقول: تَوَاضَعْ إِنْ رَغِبْتَ إلى السُّموِّ وعدلًا في الصَّديق وفي العَدُوِّ وبَادِرْ صالحَ الأعمالِ واعْجَلْ وصِلْ فيها رَوَاحُكَ بالغُدُوِّ كما عاب الشُّعراءُ التَّكبُّر والعُجْب، وما يتبعُ ذلك من الغرور، فمحمَّدُ بن حازم يزجر أولئك المتعجرفين الذين دخل الغرورُ إلى نفوسهم، فيقول مخاطبًا إياهم: فَيَا شَامِخًَا أَقْصِرْ عِنَانَكَ مُقْصِرًا فإنَّ مَطَايَا الدَّهر تَكْبُو وتَعْثُرُ سَتَقَْرعُ سنًَّا أو تَعُضَّ ندامةً يَدَيْكَ إِذِا خَانَ الزَّمانُ وتُبْصِرُ ويَلْقَاكَ رُشْدٌ بعد غَيِّكَ واضحٌ ولكنَّه يَلْقَاكَ، والأَمُر مُدْبُِر وهذه الخصلةٌ مفسدةٌ للدِّين ومنقصةٌ للعقل، مجلبةٌ للذِّم والسَّخْط، وفي هذا يقول الشَّاعر محمود الورَّاق: التِّيهُ مفسدةٌ للدِّين مَنْقَصَةُ للعقلِ مَجْلَبَةٌ للذَّمِّ والسُّخْطِ مَنْعُ العطاءِ وبَسْطُ الوَجْهِ أحسنُ مِنْ بَذْلِ العطاءِ بوجهٍ غيرِ مُنْبَسطِ ويرى الشَّاعر الكريزي في التواضع قيمةً كبرى يعيش في كنفها المرء بكل اعتزاز وفخر، حيث يُعبِّر عن ذلك في أبياته فيقول: ولا تَمْشِ في الأرض إلا تَواضُعًا فكم تَحْتَها قومٌ هُمْ مِنْكَ أَرْفَعُ فإنْ كنتَ في عزٍّ وخيرٍ ومَنْعَةٍ فكم ماتَ مِنْ قومٍ هُمُ مِنْكَ أَمْنَعُ ؟ وأنشد أحدُ الشُّعراء يقول: واقْبَحُ شيءٍ أن يرى المرءُ نفسَه رفيعًا، وعند العالمينَ وضيعُ تَواضَعْ تكن كالنَّجم لاح لناظرٍ على صََفَحِات الماءِ، وهو رفيعُ ولاتك كالدُّخَّانِ يعلُو بنفسهِ على طَبَقَاتِ الجوِّ، وهو وضيعُ والصُّورُ البلاغيَّة في الأبياتِ تُفصحُ عن جَمَاليَّة الفِكْرَة وقِيَمِ السُّموِّ والتَّواضُعِ التَّي عبَّر عنها الشُّعَرَاء في كثيرٍ من تُرَاثِهم الأدبيِّ.