قد يعتقد البعض أن معظم أو كل الناجحين والبارزين في مجالات الحياة المختلفة يعيشون قمة السعادة والأمن النفسي، خاصة إن كانوا يمثلون نماذج غير عادية في بيئتهم ومجتمعهم وأنهم يتفوقون على أقرانهم بكثير من علو الهمة، وفي سباق مع الزمن الذي يعيشونه، لكن هل كل الناجحين يعيشون «سعادة حقيقية» في حياتهم..؟ ترى لو يسمح هؤلاء الناجحون بوضع كاميرات خفية ترافقهم في لحظات انفرادهم بأنفسهم فمن المتوقع بأن بعض منهم يقضون سويعات أو على الأقل لحظات عديدة ينخرطون في بكاء مرير وقد يسخرون من الآخرين المعجبين بنجاحاتهم وإنجازاتهم، وكأني بهم يتمنون لحظة سعادة حقيقية يمرغون فيها قلوبهم في تراب السعادة، وقد يؤكدون استعدادهم للتنازل عن كل أو بعض تلك النجاحات التي حققوها أو التي هم في طريقهم إلى تحقيقها في سبيل لحظات سعادة حقيقية محرومون منها! قد لا يكون من السهل الحكم على هذه الفئة بالانتحاريين وربما وصفهم بالمغامرين أو المتطرفين في المغامرة هو الأولى، وقد يكون لبعضهم عذر قد يراه حقيقة مهما خالفه الرأي المحيطون به ولكن هل يمكن إقناع هؤلاء المغامرين (وبخاصة المندفعون) بالتوقف لحظة تأمل وتفكير منطقي في مسيرتهم ومدى صحة ممارستهم ومحاولتهم تحقيق طموحاتهم، ومن المؤكد أنهم لن يقتنعوا بأي رأي يخالف قناعاتهم الراسخة خاصة إن كانت عوامل معينة هي التي تدفعهم للسير بهذه القوة والاندفاع، وفي أحيان كثيرة هم لا يرون أنفسهم مندفعين ولا متهورين بل قد ينظرون إلى منتقديهم نظرة دونية أو على الأقل بأنهم أناس جامدين في أماكنهم أو متخلفين عن الركب!؟ صحيح أن لكل إنسان أهدافه وطموحاته أيا كان نوعها ودرجتها لكن المعروف أن (التوازن) في الحياة من المتطلبات الضرورية ويتفق على ذلك كل العقلاء، وقد يختلف مفهوم التوازن بين الناس لكن من الضروري وجود حد أدنى يتفق عليه أغلب الناس، ولعل الحديث النبوي يؤكد على ذلك (إن لنفسك عليك حقا)، وهو قاعدة صلبة لمن يطلب التوازن في حياته! لبعض المنغمسين (المندفعين) في طريق تحقيق الأهداف أسباب منها على سبيل المثال محاولة تحقيق الذات كنتيجة لتحديات صعبة تواجههم في حياتهم الشخصية أو كنتيجة طبيعية لظروف عائلية معقدة فيضطر هؤلاء إلى الهروب من واقعهم المرير إلى عالم ينسيهم ويبعدهم عنه ولو لوقت قصير، وقد يكون الدافع لهم طموحات كبيرة عاشوا من أجل تحقيقها ليجدوا لذتها تنعش دواخلهم وتشرق أعماقهم وهؤلاء قد يكون لديهم مبررات مقتنعون بها وقد يقتنع الآخرون به خاصة إن لم تظهر بوادر فشل ما في حياتهم الشخصية والعائلية، ولكن لا بد من ضريبة يدفعونها على حساب مصالح عديدة قد تكون من بينها صحتهم النفسية والجسمية، وربما علاقاتهم العائلية والزوجية على وجه الخصوص!! [email protected]