اليوم أخذت نفسي بتفكير عميق، وتركيز شديد، في لعبة كرة القدم التي مارستها في شبابي بعنفوان، وشجّعتها بعنفوان أكثر، فخلصت، بعد هذا التفكير والتأمّل الحادّ، إلى أنّنا نعيش في عالم مجنون حقًا، تصوّروا معي: اثنان وعشرون رجلاً يرتدون سراويل قصيرة، يطاردون جلدًا مدبوغًا قد نُفِخَ بالهواء الفارغ، وقد كلّفوا اثنين منهم بما يُسمّى بالحراسة، ومَنْعِ هذا الجلد المنفوخ من الولوج في الشبكة التي نُصِبَت في ما يسمّونه «مرمى» لهذا الجلد المدبوغ الذي يسمّونه هو الآخر «كرة»، والأعجب من ذلك والأغرب توافد الناس بالآلاف، ودفع أموالهم، لحجز مقاعد يشاهدون من خلالها «عراكًا» على هذا الجلد، ومطاردة بين ركل ورفس وضرب، وثمة كاميرات تصوير للنقل المباشر، وأكثر من معلّق يتابع هذا العراك، ويذكر الذين يركلون هذا الجلد بأسمائهم وأسماء آبائهم، وربما قبائلهم إن كانوا من أبناء القبائل، ثم لا يكتفي بهذا، بل يصرخ كلما اقترب أحدهم من إدخال الجلد في المرمى ذي الشبكة المنصوبة، وكلما اقترب واحدٌ من إدخال الجلد في الشبكة قام الناس وأحدثوا أصواتًا وضجيجًا، وارتبك ذوو السراويل القصيرة، فانزلق هذا، وانبطح ذاك، وتدحرج هنا أو هناك أربعة دون حياء من الناس الذين يشاهدونهم، بل بتشجيع منهم وتصفيق لهم، وهكذا تستمرّ هذه المسرحية الواقعية المجنونة إلى أن تنتهي برصد عدد المرات التي يلج فيها «الجلد المنفوخ» شباك كل مجموعة، ثم يعلن الفائز منهم بحسب عدد الإصابات، التي يسمّونها «أهدافًا»، وهي غالبًا لا تتجاوز إصابتين أو ثلاثًا، أو أربعًا، إذا كانت إحدى المجموعتين لا تستطيع ترتيب أنفسها وتداول الجلد المدبوغ بالشكل المطلوب في مقابل مجموعة منظّمة تجيد التداول فيما بينها، غير أنّ ما يبعث على الاستغراب حقًا، وربما يصل إلى درجة أن يفقد الإنسان «عقله» هو ما يحدث بعد هذا العراك من معارك كلامية، سواء في الإعلام، أو في الشارع، أو في المقاهي، وربما تجاوز ذلك إلى العلاقات الاجتماعيّة، بل وربما وصل الأمر إلى الإغماء والموت بسكتات قلبية، كل ذلك تضامنًا مع مجموعة ضد مجموعة، وانتصارًا لهذه لكي تستطيع إدخال الجلد المنفوخ في مرمى تلك المجموعة، مع أنهم جميعًا يرتدون سراويل قصيرة على مرأى ومسمع من الناس، ويطاردون «الفراغ» لملء أوقات «فراغهم»! [email protected]