البرامج الانتخابية للمرشحين في التقاليد الديمقراطية هي بمثابة عقد بين الناخب والمرشح، فالبرنامج هو المعيار الرئيسي للاختيار، ولكن الوضع مختلف في الانتخابات الرئاسية المصرية، حيث لم يصبح البرنامج بعد هو المحدد الرئيسي في المفاضلة بين المتنافسين فهناك اشياء اخرى حكمت المرحلة الاولى، واخرجت بعض المتنافسين من سباق الرئاسة وتمت التصفية بين متنافسين اثنين هما مرشح حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسى، ومرشح النظام السابق الفريق احمد شفيق، وكشفت نتائج عدة استطلاعات للرأي جرت مؤخرا في مصر أن غالبية الناخبين لا يقرأون برامج من انتخبوهم، وأن عملية الانتخاب جرت اما بالتوجيه او للانتماء السياسي. ورغم عدم اهمية البرامج الانتخابية في المسار التصويتي الا ان كل المرشحين للرئاسة، قدموا برامج انتخابية اهتمت بقطاعات الصناعة والزراعة والتعليم، لكنها تفتقر الى آليات التنفيذ والتمويل، وتتشابه في تحديد الاولويات واتسمت بقدر كبير من التشابه خاصة في قضايا جوهرية تمس الامور الحياتية للمواطن المصري مثل الامن والبطالة ومعالجة العجز في الميزانية والدين العام الذي تخطى التريليون جنيه. إعادة الأمن بلا خطط الملف الأمني هو أخطر وأهم الملفات الملحة التي تنتظر الرئيس القادم، فمنذ سقوط الشرطة في 28 يناير 2011 ومصر تشهد حالة انفلات أمني يدفع ثمنها جموع الشعب بلا استثناء، لذا فإن أهم تحدٍ ينتظر الرئيس القادم هو ذاك الملف، وهو أيضًا أول ما يريده كل المواطنين لأنه بدون أمن فلا تنمية ولا تقدم في أى مجال، ويرى محمد مرسى مرشح الاخوان للرئاسة أن الامن يعود بعودة الاستقرار السياسي واعادة هيكلة الاجهزة الامنية، في حين يتعهد شفيق بعودة الامن خلال 24 ساعة من توليه الرئاسة، الامر الذي كان مثار جدل في الشارع، ولكن شفيق قدم توضيحا لما يعنيه بعودة الأمن خلال 24 ساعة بقوله ان مظاهر الامن تعود بعودة رجال المرور الى الشوارع ومنع السير في الاتجاه المعاكس. وعن خطته لاستعادة الامن، قال شفيق إنه سوف يعتمد على العدل وتطوير شامل للمؤسسات، إنني أركز في برنامجي على إعادة الأمن والاستقرار حيث إن الاستقرار يعني عودة الاستثمار, ومن الواضح أن معظم مرشحي الرئاسة لم يهتموا بتوفير الأمن والأمان للمواطن المصري. يقول اللواء أحمد الفولي الخبير الأمنى إنه حتى الآن لم نر من البرامج الانتخابية للمرشحين والتي تظهر في الإعلام والصحف أي تفاصيل عن الخطة التي وضعها كرئيس دولة لعودة الأمن، فكل شخص منهم يقول سوف أعمل على عودة الأمن ولكن لا يعرض ما الذي سوف يفعله بالتفصيل. وعود بلا آليات وينطلق البرنامج الانتخابي لأحمد شفيق من تأسيس الهيئة الوطنية للتشغيل والهيئة الوطنية للمشروعات الصغيرة والهيئة الوطنية للتدريب والتعهد بصرف إعانة بطالة ووضع نظام للتأمين ضد البطالة، خفض الضرائب على المشروعات الصغيرة، البرنامج القومي لتيسير الزواج والقضاء على العنوسة، تطوير أنظمة الحكم المحلي والمجالس الشعبية، مشروع المنطقة الاقتصادية الخاصة في محيط قناة السويس، مشروع المنطقة الاقتصادية الخاصة في بحيرة ناصر وحول السد العالي، بما يجتذب الاستثمارات العاملة في مجال الزراعة والثروة السمكية والسياحة. وتضمن ايضا مشروع المنطقة الاقتصادية الخاصة في محيط الطريق الجديد الواصل بين البحر الاحمر وسوهاج بما يدفع فرص التنمية بالصعيد، كما تضمن إطلاق مشروعات لتحلية مياه البحر، واقامة مدينة سكنية في الظهير الصحراوي للساحل الشمالي، ومشروع (ممر التنمية) ببناء الطريق الممتد من الإسكندرية إلى أسوان في المنطقة المقترحة للمشروع الذي تقدم به عالم الفضاء المصري د. فاروق الباز. ويركز كل من شفيق ومرسي على استعادة هيبة الدولة بتنفيذ القانون على الجميع دون استثناء، فرض الانضباط على الشارع المصري أمنيا وإداريا في مختلف المحافظات، إعادة الثقة إلى جهاز الشرطة وإعادة تنظيمه وتطبيق معايير العدالة في مرتبات مختلف العاملين بوزارة الداخلية، إلزام الشرطة بتطبيق معايير حقوق الإنسان. ويتفقان على مواجهة مشكلة العشوائيات والعمل على تطويرها واتخاذ ما يلزم من خطوات تشريعية وتنفيذية في هذا الاتجاه، رفع مستوى أجور المعلمين بالمدارس والجامعات إلى ما يتساوى مع أعلى المرتبات في الدولة، الارتقاء بمستوى منتج التعليم في مختلف المراحل والتركيز على الارتقاء بمستوى العملية التعليمية. ويتفقان ايضا في ضرورة إقرار نظام للتأمين الصحي يشمل جميع المصريين مهما بلغت التكلفة، إعادة النظر في أجور العاملين في القطاع الصحي وفي صدارتهم الأطباء والتمريض، زيادة ميزانية الصحة إلى ما يقترب من المعدلات العالمية، رفع مستوى الخدمات الصحية على الطرق المختلفة وتوفير خدمات الإسعاف، تعميم قواعد الانضباط والجودة في مختلف المستشفيات العامة والخاصة. يرى أحمد شفيق أن اولى خطوات اصلاح المنظومة الصحية هي وضع نظام تاميني شامل بأية كلفة، كما تعهد برفع موازنة الصحة لتسير مع المعدلات الدولية بحيث تكون نسبة متزايدة من الناتج المحلي المصري، والتزم باعادة النظر في أجور ورواتب جميع العاملين في وزراة الصحة والاهتمام بتطوير الية العمل في المستشفيات التابعة للتامين الصحي كما تطرق البرنامج الانتخابي لشفيق الى أزمة اسعار الدواء واعلن عن توفيره بأسعار معتدلة للمواطن، وتطوير خدمات تنظيم الأسرة. بينما يرى الدكتور محمد مرسي أن المواطن المصري له الحق في أن تتوفر له الخدمات الصحية والعلاجية الاسعافية التي يحتاجها دون حدوث أعباء مالية مرهقة ودون المساس بكرامته، وتعهد مرسي بعمل منظومة صحية على درجة عالية من الكفاءة لتوفير بيئة سليمة للمواطن المصرى ويتمتع بممارسات صحية واعية وتوفير الدواء اللازم للمريض بأسعار مناسبة من خلال تطبيق نظام تأمين صحي اجتماعي شامل تتحمل الدولة فيه اشتراكات غير القادرين. الهلباوي: برامج المرشحين بلا قاعدة «أخلاقية» يقول الدكتور كمال الهلباوي القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين، إن البرنامجين الانتخابيين لمرشحي الرئاسة أحمد شفيق ومحمد مرسي ينقصهما الكثير، خاصة القاعدة الأخلاقية الصلبة التي من المفترض أن يستند إليها ك»الشفافية والوضوح». مضيفًا أنه برغم النقص الواضح في البرنامجين إلا أنه يرى برنامج الدكتور محمد مرسي أكثر تطورًا من برنامج الفريق أحمد شفيق. غموض البرامج وقالت الدكتورة ماجدة قنديل رئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية إن مرشحي الرئاسة لم يركزا على وضع تفاصيل للأهداف ومحاور برنامجهما، مدللة على أحمد شفيق الذى قال ان هدفه الأساسي هو تحقيق الاستقرار والامن في البلاد فور توليه سدة الرئاسة وهو ما يحصد الكثير من الأصوات تجاهه على الرغم من أن هذا الهدف عام وليس فيه أي تفاصيل بشأن كيفية تحقيق الاستقرار والفاتورة التمويلية الخاصة به وما هي الأولويات الخاصة بالحكومة حتى تحقق الاستقرار وهل الاستقرار في وجهة نظره سياسي أم اقتصادي. وتابعت أن الظروف التي أعقبت ثورة 25 من يناير وعدم استقرار الأوضاع الامنية والسياسية في الشارع المصرى زاد الرغبة داخل المصريين بحاجتهم للاستقرار بغض النظر عمن سيحقق هذا الهدف. وحول برنامج مرشح جماعة الإخوان المسلمين د. محمد مرسي، قالت قنديل: إن برنامجه الاقتصادي احتوى على كثير من التفاصيل الخاصة بكيفية تحقيق النمو الاقتصادي إلى 7% خلال الأربع سنوات التي تلي نجاحه في الانتخابات وخفض التضخم من 8.8% حاليًا إلى أقل من 3.5% وخفض البطالة من 13 % إلى 7%، كما تعهد في برنامجه الانتخابي بخفض الدين المحلي والخارجي بنسبة 15 بالمائة سنويا وسد العجز في ميزان المدفوعات بحلول 2016-2017 وخفض عجز الميزانية إلى أقل من ستة بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وأكد على ضرورة تعزيز استقلالية البنك المركزي والتركيز على استقرار الأسعار مع تشجيع مشروعات خاصة للبنية التحتية مثل الطرق السريعة والجسور والسكك الحديدية والطاقة بتكلفة تصل إلى خمسة مليارات دولار لكل منها والتوسع في الزراعة بتكلفة 45 مليار جنيه مع إسقاط ديون صغار المزارعين ومضاعفة عدد المصريين المستحقين لمعاش الضمان الاجتماعي إلى 3 ملايين. كما أشار برنامج مرسي إلى ضرورة إنشاء مؤسسة للزكاة لحماية الفقراء وتشجيع التمويل الإسلامي وإضافة الصكوك الإسلامية إلى السندات الحكومية. نهضة اقتصادية بلا تمويل وأضاف الدكتور أحمد غنيم مدير مركز البحوث والدراسات الاقتصادية أن الشعارات التي رفعها المرشحان الحاليان اتسمت بوضع أهداف دون أن تحتوي على التفاصيل أو كيفية الإنفاق أو التمويل هل من المؤسسات الدولية أم من الداخل بالإضافة إلى أولويات الرئيس القادم لإصلاح الأوضاع الداخلية. وقال ان البرنامج الاقتصادي لأحمد شفيق ركز على تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص ويستهدف تعزيز الاستثمار الأجنبي وخفض عجز الميزانية إلى أقل من ستة بالمائة بنهاية فترته الرئاسية مع إلغاء دعم الطاقة للصناعة والإبقاء على دعم الخبز وغاز الطهي والبنزين «للمستحقين» ومراجعة أسعار تصدير الغاز. وأشار إلى ضرورة تعزيز الاستثمار في الصناعات كثيفة العمالة وتقديم حوافز خاصة للمستثمرين العرب ودعم مالي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، مع ضرورة تطوير طاقة متجددة ونووية وإنشاء مدن سكنية وصناعية جديدة ومحطات لتحلية المياه. وأكد على ضرورة تحديد حد أدنى للأجور ومساعدة العاطلين عن العمل ودفع معاش لكل مواطن محتاج ومضاعفة ميزانية الصحة إلى مثليها ومد التأمين الصحي إلى كل أجزاء المجتمع بصرف النظر عن التكلفة مع ضمان «سعر عادل» للمنتجات الزراعية التي تشتريها الدولة وإسقاط ديون صغار المزارعين. واشار الى ان البرامج التي أعلنها شفيق ليست بجديدة نظرًا لأن معظمها مطبق الآن مثل إلغاء دعم الطاقة وزيادة الاستثمارات في المشروعات الصغيرة والمتوسطة ووضع حد أدنى للأجور لأن هذا الحد يتم إقراره حاليًا من مجلس الشعب.