كثرت في الآونة الأخيرة أحاديث الناس.. والمؤلّفات والكتب التي تتحدّث عن السعادة والنجاح والفاعلية في الحياة، وبحثت فيها كثيرًا فوجدت أن معظمها يضع قواعد لذلك.. وينادي بتفعيل هذه القواعد في حياتنا. وكان من أهمّ ما جنيت في رحلة بحثي.. هذه القواعد (التوازن.. الإيجابية.. الأصالة.. الشمولية.. الثبات.. المرونة)، سواء في بناء الشخصية.. أو صياغة المنهجية، ووجدت أنها مهما شرّقنا وغرّبنا في استقاء مفاهيمها وتطبيقاتها.. مهما تفرّعت أو تجزّأت.. تُطل بوجهها النضر في ثقافتنا الإسلامية، فاليوم وعلى الرغم من أننا نعيش زمنًا تختلط فيه الثقافات، وتتصارع الحضارات، وتتنافس الأفكار، وتتشعب الآراء، وتتعدد المذاهب تبقى أصالة ثقافتنا تنادينا.. وتتفرّع منها وعنها كل الفوائد. رغم أن بعض المسلمين تناسوا ثقافتهم، وغفلوا عن مشاربهم، وتجاهلوا مناهجهم وأصالة ثقافتها، وعظمة أصولها وفروعها تعود إلى أنها ثقافةٌ ربَّانيةُ المصدر (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا). إن ثقافتنا مصدرها الوحي من كتاب وسنة، (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى). ومَا ظنُّ النُّفوسِ بما أتاها بهِ جبريلُ مِنْ رَبِّ السَّماء وهي ثقافة شاملة شافية، وافية، كافية ملمّة بكل ما نحتاجه في الحياة ومتطلبات الإنسان لا تقصير فيها.. ولا ضعف تخور به أمام تلبية مطالب البشرية في أي شأن من شؤون حياتها المتجددة المتنوعة، وهي التي تحقّق التوازن الذي يحتاجه الإنسان لتستقيم حياته وتنهض، فهي توازن بين جسد وروح، وقلب وعقل، وأمر ونهي، وثواب وعقاب، وغيب وشهادة، وترغيب وترهيب، وخوف ورجاء، وحاضر وماض، وهي الثقافة الأعظم التي تمنح الإيجابية وتدعو إليها على منهج قويم، فهي تنادي إلى العمل، والكفاح، وتدعو إلى العلم والتعلّم والرقي وتنهى عن الخمول، وتحذر من التقاعس، وتأبى التكاسل.. وهي الثقافة والمنهجية التي تمنح الإنسان صيغة الثبات الرابحة التي يحتاجها لحياة ناجحة. لأنها ثقافة.. متينة أسسها، عريقة مناهلها.. راسخة قواعدها.. أصيلة نماذجها.. تؤتي أكلها كل حين، وهي المنهجية والثقافة التي تحمل في طياتها كل معاني المرونة المطلوبة لتطورات المستقبل، وتحمل في ثناياها كل عناصر بقائها واستمراريتها ما دامت الحياة. هذه ملامح وإشارات جديرة بالتأمّل فيها حتى لا ننساق وراء سراب فكر مضلل.. وثقافات محشوّة بالأكاذيب. إننا مطالبون بالانفتاح على الثقافات والتزاوج الفكري معها.. لا بمحاكاتها وتقليدها دون تمحيص وتفكير ودون تلقيح صحيح لا تنشأ معه تشوّهات فكرية ومنهجية. [email protected]