للشقاق في الطلاق مبتدأ وخبر، وسبب ونتيجة، فالأسرة يشقّها الطلاق شقين: أبٌ، وأمٌّ، ينفصلان ليخوض كلاهما حياة أخرى، وتجربة أخرى، وطفل بينهما يخترقه الشقاق ليمزّقه إلى نصفين تعيسين، يشطر قلبه، ويشتت روحه، بين والدين كليهما عزيز عليه، إذ يتنازعان بينهما حق الحضانة، وربما استُخدم الطفل المسكين كوسيلة للانتقام، والمناكفة، والخصومة. وعندما يُعتدى على حق طرفٍ ضعيفٍ في المجتمع عن سابق إصرارٍ وعزمٍ، فإنه في هذه الحال قد لا يجدي النصح والموعظة دائمًا، وإن كان لا بُدَّ منه كخطوة أولى، لكنَّ ما تحفظ به الحقوق، وتستعاد هو نظام قضائي واضح وصارم، يكفل لكل الأطراف ما لها وما عليها دون ضرر أو ضرار، ثم يتلو الحكم سلطة تنفيذية تنظر في مدى تطبيق الحكم وتحفظه فيما بعد من أي اعتداء عليه، أو تقصير في شأنه. وفي شأن الحضانة، يراعي الإسلام في شريعته الفطرة والأخلاق، وأنه لا قلب يكفل الطفل، ويقوم بحاجته، ويرعاه كقلب الأم، ولا قلب يسكن إليه الطفل وينمو في كنفه بسلام كقلب الأم، فكان لها الحق الأوَّل والأولى في حضانة الصغير، كما وصف ذلك أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- لما طلَّق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- امرأة له، وأخذ طفلها، فخاصمته إلى أبي بكر، فردّه إليها وقال لعمر: "هي أعطف وألطف، وأرحم وأحنى وأرأف". فحق الحضانة مختلف عن حق الولاية، فإن الحضانة شفقة وحنان، ورعاية واهتمام، بينما الولاية توجيه وتعليم، ونفقة وقيام، فالأول حقٌّ للأم، وحقٌّ عليها، والثاني حقٌّ للأب، وحقٌّ عليه، فيتكامل الحقان لأجل تنشئة طفل ناضج، ومشبع نفسيًّا وجسديًّا وفكريًّا وتربويًّا. ولا يعني استئثار الأم بحضانة الأطفال حرمان أبيهم منهم مطلقًا، فإن له الحق في رؤيتهم وزيارتهم بالمعروف، وعليه واجب في تعليمهم وتوجيههم، حتى يكون الطلاق انفصالاً سلسًا بين زوجين يُنأى بالطفل فيه عن الشعور بالنقص والحرمان والجفاء. أمّا في تفاصيل الحضانة، فإن أكثر أحكامها الفقهية تخضع لمصلحة الأسرة عمومًا، دون التقيّد بنصوص مذهب معيّن في ذلك دُوِّن أصلاً كاجتهاد يراعي المصلحة، فيتغير وفقًا لتغير مناطه، وقد نص على ذلك عدد من الفقهاء، وفي اجتهادات بعض العلماء المعاصرين ما يشهد له، ومن ذلك ما رجّحه الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- مخالفًا في ذلك مذهب الحنابلة من أن البنت تبقى مع أمها حتى تتزوج البنت، وإن تعدت السابعة ولا تُخيَّر، فقال في الشرح الممتع 13/ 548: "والراجح عندي أنها تبقى عند أمها حتى يتسلمها زوجها؛ لأن الأم أشفق بكثير من غيرها حتى من الأب، لأنه سيخرج ويقوم بمصالحه وكسبه، وتبقى هذه البنت في البيت، ولا نجد أحدًا أشد شفقة وأشد حنانًا من الأم..". ولهذا فإن من تنظيم هذه المصالح أن تكون أنظمتها القضائية واضحة مدونة، ينص فيها على أصول الأحكام، ويوضح ما يرد فيها إلى الاجتهاد، ويبين منهج تطبيق الحكم وتفاصيله، ويعضد ذلك كله بعقوبات صارمة تلحق مَن يتهاون في الحكم أو يخالف تنفيذه، ومن تلك الأحكام: حق الحضانة، الترتيب فيها، شروط الحاضن وواجباته، التنازل عن الحضانة أو الخلع عليها، رضا الزوج الجديد بحضانة الأم، سفر أحد الوالدين، تنظيم زيارة الوالدين لابنهما، وغيرها. ولا يخفى أن ملف الحضانة يشهد -بدافع الانتقام الاجتماعي- انتهاكًا كبيرًا للحقوق، وقصصًا أليمة ومفجعة، ظهر عدد منها على السطح في مجتمعنًا مؤخرًا، وهذا ما يستدعي النظر بشكل عاجل وجادٍّ في تبيان أنظمته، والقيام بالعقوبات الرادعة لمخالفيه، في مبادرة إيجابية مدروسة، فلا يكون الأمر رهنًا لردات فعل، في انتظار مأساة تحرك ركود الملف وتستوجب النظر فيه.