حلت يوم الثلاثاء الماضي الموافق الخامس عشر من شهر مايو ( أيار ) الذكرى الرابعة والستين لوقوع النكبة. حالة البرود التي ميزت تعاطي معظم وسائل الإعلام العربية مع الحدث، قابلتها حالة من التفاعل المحموم على شبكات التواصل الاجتماعي، اشترك فيها الشبان والفتيات المنتمون إلى مختلف التيارات الفكرية في الوطن العربي. في حقيقة الأمر لم أكن أتوقع أن يكون جيل الشباب في العالم العربي، متحمسا بهذه الطريقة، فما حدث من تغيرات سياسية وثقافية وإعلامية منذ اتفاقية كامب ديفيد، ثم الحرب الأفغانية، وما تلاها من أحداث وحوادث جسيمة كغزو لبنان، ثم غزو العراق للكويت، ثم مؤتمر مدريد واتفاقية أوسلو ووادي عربة، وأخيرا هجمات الحادي عشر من سبتمبر.. كل ذلك ساهم في طرح جديد يتمحور حول التشكيك في حقيقة أن الكيان الإسرائيلي صاحب المشروع الاستيطاني والتوسعي في المنطقة، هو العدو الاستراتيجي للأمة العربية، وأن الصراع معه صراع وجود وليس صراع حدود كما يحاول الكثيرون إقناع السذج والبسطاء بذلك. لكن يبدو أن جيل الشباب الذي فاجأنا في سيدي بو زيد وفي ميدان التحرير وفي ساحات وشوارع صنعاء وفي مدينة درعا، ما زال يحمل الكثير من المفاجآت غير السارة للعدو الصهيوني.. وليس أدل على ذلك من تفاعل الشباب العربي مع ذكرى حلول النكبة، بعد كل المجهود الذي بذله الصهاينة بغرض تحييد هذه الأجيال تجاه الصراع، وبهدف عزلهم عن ذاكرة الأمة النضالية التي ابتدأت في التكون منذ حقبة الاستعمار، إلى أن بلغت الذروة مع مراحل الصراع العربي الإسرائيلي المختلفة. إن معركتنا مع الكيان الصهيوني ومشروعه العنصري التوسعي، لا تنحصر في الجانب العسكري أو السياسي أو حتى الحضاري. الذاكرة هي واحدة من أهم ميادين الصراع، وطالما نجحنا في كسب هذه المعركة وتمكنا من ربط أجيالنا المتعاقبة بالذاكرة النضالية الجمعية للأمة العربية، فإن العدو لن يتمكن من امتلاك مفاتيح الانتصار الحاسم. لن يكسب العدو معركته ضدنا حتى يكسب المعركة ضد ذاكرتنا.. وهو ما لا أرى أنه متاح حتى الآن. [email protected]