يؤكد الباحث والوزير السابق، علي بن إبراهيم النملة، أن بعض معارضي الحوار بين الشرق والغرب يتصرفون نتيجة شعور بالنقص، وأفكار غير موضوعية، وأن هذا الحوار يجب أن يُقوى ويُعزز إذ لا يمكن البقاء بعيدا عنه. جاء ذلك فى كتاب النملة «الشرق والغرب.. منطلقات العلاقات ومحدداتها». الذى صدر في 352 صفحة متوسطة القطع وقد توزع الكتاب على قسمين، الأول في خمسة «منطلقات»، والثاني في 17 «محددا» وتلت ذلك «الخاتمة. الخلاصة والنتيجة». الشد والجذب في التمهيد للكتاب، قال المؤلف: إن العلاقات بين الشرق والغرب تتعرض منذ قرون «إلى قدر كبير من الشد والجذب الفكري والديني، وقد دارت مساجلات فكرية طاحنة حولها، ونشأت مدارس فكرية وتخصصات أكاديمية، وظهر على الساحة مفكرون من الجانبين، نذروا حياتهم وفكرهم لإعمال النظر في هذه العلاقات نشأة وتطورا وتجاذبا بين عوامل التقارب والتعايش أو الفرقة والعزلة والصراع والتصادم، «ويوظف النقاش حول هذه العلاقات بحسب الرغبة في الالتقاء أو تعميق الفجوة بين الشرق والغرب». طرفان في الحوار وفي فصل حمل عنوان «الحوار»، تحدث الكاتب فقال: «في السنوات الأخيرة ازداد الحوار المستمر بين الشرق والغرب، وأضحى يسمى اصطلاحا «الحوار بين الإسلام والغرب»، وكأن الإسلام هو الطرف الأول والغرب هو الطرف الثاني في الحوار أو العكس. و«المتمعن في هذا الاصطلاح يدرك الغرض من إطلاقه، إذ ان الإسلام ثقافيا منطلق واحد يحمل أفكارا مُحددة منشؤها كتاب الله تعالى، أما الغرب فهو تجميع لثقافات عدة، بعضها ينطلق من منطلق ديني كالنصرانية واليهودية وبعضها ينطلق من منطلق متناقض مع الدين ومحارب له في الحياة العامة». ورأى أن «الأصل أن يقوى الحوار ويستمر ويتخذ أشكالا متعددة بحسب المقام من حوارات فردية أو جماعية علمية أكاديمية أو فكرية وتجارية أو اجتماعية، إذ لا يملك المرء اليوم إلا أن يكون طرفا في هذا الحوار المستمر، «ومع أن فكرة الحوار ليست جديدة على هذه الثقافة، إلا أنه يستغرب المرء تحفُّظ بعض المعنيين من الحوار مع الآخر بحجج، منها ارتباط الحوار بالتنصير، وارتباطه بالتهيئة للاحتلال، وغير ذلك من حجج وقتية لا ترقى إلى العلمية الموضوعية، وليس لدينا نحن المسلمين ما نخفيه عن الآخر ليتحفظوا على الحوار معه». ورفض أي فوقية أو دونية في الحوار لأنه عند ذلك لا يعدو حوارا، وتحت عنوان «التحفظ»، قال النملة: إن الحوار الذي يتحفظ عليه بعض المعنيين من المفكرين هو ذلك الحوار الذي يشعر به المحاور المسلم بالدونية أمام الآخر، الذي يشعر من يحاورهم بأنه على قدر كبير من العلم والمعرفة والتفوق الحضاري. وقال: إن من ذلك أيضا التحفظ على الإشارة إلى هذا الحوار على أنه «حوار الأديان»، وإنما هو «حوار أهل الأديان». ورأى أن هناك جملة من الكتَّاب العرب «يتحفظون على فكرة الحوار مع الآخر ممن يختلفون عنا في الدين، بل إن أحد المؤلفين قد وصل به الرأي إلى تحريم التعامل مع أولئك القوم، لا سيما المستشرقين منهم، ويرى (ذلك) المؤلف أن التعاون معهم إنما هو من باب الموالاة لهم». مسألة غير واضحة وتساءل النملة: «هل الحوار مع الآخر يعني بالضرورة التعاون معه؟ وهل التعاون على الأمور المشتركة مما يدخل في المحظور؟ وهل أن التعاون المطلوب معه يعني بالضرورة موالاته؟ يبدو أن مسألة الولاء والبراء في هذا الرأي غير واضحة، ولا تنطلق من رؤية علمية بقدر ما تنطلق من موقف أني أو نظرة عاطفية لا تكنّ موقفا إيجابيا من الغرب على غرار ما دعت إليه بعض الحركات الإسلامية». وقال: «لقد تعرَّض الإسلام لحملات من التشويه على أيدي بعض المستشرقين والمنصرين والإعلاميين، وهو يتعرض لهذا في الحاضر، ولكن هذه الحملات لا تعني أن نتوقف عن الاتصال بالآخر بالتحاور معه، وتبيان ما عمّي له عن الإسلام وعن دياناته التي ينتمي إليها». خلاصة ونتائج وفي الفصل الذي حمل عنوان «الخاتمة.. الخلاصة والنتيجة» أكد علي بن إبراهيم النملة أن الشرق والغرب في النهاية «يظلان لا يستغنيان عن بعضهما في البناء الحضاري وفي إسعاد البشرية وهما شريكان في ذلك، وأن أيًّا منهما يظل بحاجة إلى الآخر، وأن فرص التعايش والتلاقي بينهما أكثر بكثير وأقوى من دواعي الفرقة والخصام بشتى أنواع الخصام مهما حاول بعض المنتمين إلى أي منهما أن يسعى إلى خلاف ذلك، مؤيدا بسيطرة فكر أني أو توجه سياسي ضاغط أو نظرة عرقية وما إلى ذلك من مقومات التأثير القائم على فكر غير سوي أملته قوى خفية لا تسعى إلى سعادة الأمم بل تبحث عن شقائها وتعميق وجوه الخلاف بينها». وخلص إلى القول إن «تجسير هذه الفجوة العلاقية بين الشرق الإسلامي والغرب النصراني يمكن أن يتم عبر آليات إتاحتها معطيات الألفية الثالثة، وكون العالم أصبح قرية كونية صغيرة. «ومن تلك الآليات والمعطيات استغلال وسائل المواصلات والاتصال الحديثة للتقارب بين الشعوب والأخذ بمبدأ الحوار بين الحضارات واتباع الأديان وتصحيح الصور النمطية السيئة في وسائل الإعلام الغربي ودعم الفعاليات الثقافية للجاليات والأقليات المسلمة في الغرب من أجل تعميق وسائل التواصل والحوار بين الشرق والغرب.