«هذا المرض جميل.. تقابل الأشخاص أنفسهم وتظن أنك ترى وجوها جديدة كل يوم». بهذه الجملة الرائعة للأديب والشاعر الراحل الدكتورغازي القصيبي في آخر رواية له «لزهايمر أقصوصة» استطاع أن يصور لنا بشكل بلاغي أحد أبرز السمات التي تظهرعلى المصاب بهذا الداء الذي يصيب المسن بالنسيان التام وبوتيرة أكثر تكرارًا حتى يصبح عاجزًا عن تذكر المعلومات، فالزهايمر مرض يعود بصاحبة طفلاً وهو في أرذل العمر، وقد ينظر إلى المرآة يومًا فلا يعرف حتى نفسه بعد حياة طويلة عاشها كانت مليئة بالقصص والأشخاص والمواقف والمشاعر، ليصبح على أعتاب آخر فصول كتابه واقفًا صفر اليدين، ويسأل من وكيف ولماذا وأين؟!.. أين هي حياته وذكرياته التي ذهبت مع الريح وانتهت في أرض النسيان الجرداء. والسيدة أم عبدالله (81 عامًا) هي إحدى المصابات بهذا المرض، حين تجلس معها تسألك من أنت؟ وما أن تجيب حتى تتبع بالسؤال مرة أخرى من أنت؟ فتتصور أنها تعاني ضعفًا بالسمع فترفع صوتك بالحديث إلا أنها لا تهدأ فتتابع متسائلة من أنت؟ حينها تعرف أنك ترى من خلالها الزهايمر وجهًا لوجه وتدرك أن صلاحية المخ في التخزين للمعلومة قد انتهت، وترى مريض الزهايمر يسترسل في إسقاط المعلومات وذكريات الماضي وأسماء أقرب وأحب الأشخاص كتساقط أوراق شجرة في فصل الخريف. تقول السيدة أم محمد ابنة السيدة أم عبدالله في حديثها ل»المدينة»: كنت أشعر بالاضطراب والخوف من كيفية التعامل مع والدتي بعد أن عرفت أنها مريضة بالزهايمر، فبدأت أقرأ وأجمع معلومات عن المصاب بهذا المرض وما الذي يتوجب عليه فعله، وما هي الأمور التي يجب أن أتجنبها في التعامل معه بشكل عام؟ ومن خلال تجربتي مع والدتي فالأمر ليس باليسير، والقائم على رعاية مريض الزهايمر يقع على عاتقة عبء ومسؤولية كبيرة. وتضيف: مرت خمس سنوات منذ إصابة والدتي بالمرض، والحقيقة أن الأمر أصبح في صعوبة بالغة في التعامل معها خاصة بعد أن باتت في مرحلة تتطلب مسؤولية ورعاية كاملة طوال اليوم، لذا أحرص على عدم تركها بمفردها وأتناوب هذه المهمة مع أسرتي وأبنائي، الزهايمر أضعف والدتي كثيرًا سواء جسديًا أو عقليًا، وحيث أن مريض الزهايمر لا يحب التعامل معه بنبرة إملاء الأوامر أو إشعاره بالنسيان أو أنه يخطئ، لذا أحاول دائمًا التخفيف عنها بإشعارها أن كلامها كله صواب مثلاً بأن تسأل عن فلان أين هو، ويكون فلان هذا توفي منذ 30 عامًا أوأحكي لها قصة أوأذكرها بشئ تحبة حتى أنتهي من إطعامها، وكثيرًا ما تسأل عني فأجيبها ولكنها لا تعرفني فذاكرتها مازالت تحتفظ بي وأنا صغيرة لذا فهي لا تصدق عندما أعلمها بأنني ابنتها فقد فقدت القدرة على تذكر أي شيء وأصبحت تعاني من التوهم والشعور بالخوف ممن حولها وكما أصبحت كثيرة التشنج والعصبية وزادت الفترة الأخيرة من معناتها في صعوبة البلع والإخراج وعدم النوم بشكل كافي بالإضافة إلي التصرف بسلوكيات غريبة لذا فهي تحتاج مراعاة على مدار 24 ساعة. وتكمل أم محمد قائلة: كانت والدتي سيدة اجتماعية للغايه لا تنسى الوجوة والأسماء وكانت لها ذاكرة حديدية في حفظ الأرقام والعناوين وسور القرآن الكريم لكن المرض أفقدها هذه الذاكرة بشكل شبة كامل وباتت تفتقد الإحساس بالزمان والمكان ولا تقوى على التذكر حتى رفع عنها القلم. واختتمت السيدة أم محمد حديثها قائلة: إن الاعتناء بمريض الزهايمر من قبل المقربين به أفضل بكثير من دور الرعاية وإن كان الأمر شاقًا فهو واجب على كل ابن أن يحسن لوالديه ويبرهما ويرحمهما ويكون سندًا لعجزهم وضعفهم وهذه هي سنة الحياة. تقول الدكتورة مها العطا استشارية طب الأسرة وعضو جمعية أصدقاء مرضى الزهايمر: إن الزهايمر مرض مزمن تتدهور فيه الحالة الصحية للمريض بتقدم الزمن، ويتطلب الكثير من الجهد والرعاية والصبر على المريض، مشيرة إلى أن السيدات أكثر عرضة للإصابة بالمرض من الرجال عالميًا، وأنه لا يوجد سبب واضح يحدد لماذا يصاب بعض الأشخاص بالزهايمر، لكن ترسب البروتينات حول الخلايا العصبية وفي داخلها هو ما يسببه، كما أنه لا يوجد علاج واضح حتى الآن.