د. محمد المباركي في عصرنا الحاضر تدفَّقت الفضائيَّات من كل حدبٍ وصوب ، وتعدَّدت فيه وسائل الاتصال ، وأصبح للقنوات الفضائيَّة دوراً في تحريك الرَّأي العام ، بل وتأجيج المشاعر ، وإلهاب العواطف تجاه قضايا لا تستحق أحياناً النَّظر اليها ، أو مشكلة عابرة تمرُّ كسحابة صيف ما تلبث أن تنقشع . إنَّنا إزاء قضيَّة محورية في إعلامنا المعاصر ، وهي التَّوازن في نقل الحدث ، وتقديمه بمصداقيَّة بعيداً عن التَّشنُّجات والانفعالات ، وتضخيم الأحداث ، وصرفها عن وجهها الحقيقي إلى جانب يقف في وجه مصالح الشُّعوب ، ويعقِّد علاقاتها ، ويقضي بشكل أو آخر على أشكال التَّواصل الاجتماعي والاقتصادي والفكري بين البلدان العربيَّة ، التي تربطها أواصر الرُّوح الإسلاميَّة والأُخوَّة الصَّادقة التي توحِّد بين المسلمين ، وتجعلهم صفَّاً واحداً كالبنيان المرصوص . يتألَّم الإنسان حين يرى التَّراشق الإعلامي وإلقاء الألفاظ الناّبية والشتائم من قنوات عربيَّة تثير الغوغائيَّة ، وتفسح مجالاً لأصحاب الأهواء من الجهلة والغوغائيين ، وهي بذلك تضل طريقها إلى خدمة قضاياها ومصالحها ، ولا تُؤدِّي دورها الإعلامي بمهنيَّة عالية وقيم فاضلة . لا نريد من إعلامنا المعاصر أن يعيد لنا ثارات " داحس والغبراء " ولا الحروب الجوفاء ، التي كانت تقوم لأتفه الأسباب ، فتحصد آلاف البشر . كما لا نريد أن تقوم الثَّارات والغارات من أجل مباراة في كرة القدم ، فيحتدم الصِّراع ، وتُثار البلبلة ، وتزداد الشَّحناء ، ويتعكَّر صفو العلاقات بين البلدان والشُّعوب . إنَّه إعلام لم يرتق بعد إلى تطلُّعات المثقَّف العربي ، الذي يبحث دوماً عن قضاياه الحقيقيَّة ، ويقدِّم لها الحلول الجوهريَّة ، فيجمع ولا يُفرِّق ، ويُصلح ولا يفسد ، ويرأب الصَّدع أنَّى وُجد ، ويقيم العلاقات الطبيَّة الحميمة بين الشعوب ، بعيداً عن المزايدات والتَّحدِّيات الخاسرة ، والمراهنات الفاشلة ، وفتح الباب على مصراعيه للأبواق المضلِّله ، والأصوات النَّشاز وأصحاب العاهات الفكريَّة ، مع جانب من التَّنبُّه الدَّقيق للأجندات الخارجيَّة التي تُرسم خريطتها من خارج الحدود في محاولة لإثارة الفتنة والتَّشويش على العلاقات بين الشُّعوب العربيَّة ، وهذا ما تخطِّط له " إيران" في المرحلة الحاليَّة ، لترسم لها موقعاً جديداً في إطار التَّحولات الحديثة التي أتى بها "الرَّبيع العربي" كما أسموه ، ولا أودُّ لأزهار ذلك الرَّبيع أن تذبل ، ولا لأغصانه أن تيبس ، ليصبح "خريفاً"، لأنَّ هناك من يُخطط لقطف الثِّمار ، وإفشال المساعي الحميدة للوحدة والتَّلاحم والتَّرابط ، والحيلولة دون تحقيق الهدف المنشود . وبالله التوفيق . *الأستاذ المشارك بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية .