*عنوان المقال ليس إعلانًا عن نوع جديد من شاي الياسمين رغم تأكيدات الأطباء على فوائده الجمة.. لكنها جملة طريفة ابتكرها الفنان عادل إمام في أحد أفلامه، تحمل في ظاهرها الترحيب بالضيف وإكرامه.. بينما يحمل باطنها عرضًا بالرشوة وشراء ذمته بالمال!.. وبقدر ما أضحكنا (مرجان أحمد مرجان) رجل الأعمال الفاسد بقفشاته وإسقاطاته الطريفة، بقدر ما آلمنا على الواقع العربي وهو يشتري ذمم كل من وقف في طريقه من المثقفين والمسؤولين وأساتذة الجامعات والأجهزة الرقابية، وطلاب الجامعة، وحتى حكام كرة القدم الذين أغدقوا عليه ضربات الجزاء والأهداف.. لا لشيء إلا لأنه كان يسقيهم الرشوة في كؤوس شاي الياسمين المعطر، فيشربونها بجشع حتى الثمالة!. * الرشوة من أسوأ وأخطر أنواع الفساد، ففضلًا عمّا تسببه من ظلم فادح للأفراد فإن خبراء الاقتصاد يؤكدون أنها تعيق النمو الاقتصادي لأي دولة بأكثر من 50%.. لكنها باتت في ظل تعاظم البيروقراطية وغياب الشفافية في العالم العربي، وفي ظل توحش الغلاء وكأنها إحدى السمات العربية السائدة، وحق مشروع بالنسبة للموظفين المطحونين.. بل أصبحت شطارة و(تفتيح مخ) لها أدبياتها وقواعدها الخاصة التي يجب على الجميع إتقانها كي (يمشّي أموره)، وحتى لا يُتهم بأنه (كمخة) و(ما يدري وين الله حاطه)!!. * قبل أسابيع صرح رئيس هيئة مكافحة الفساد في السعودية أن نسبة المشاريع الحكومية المنجزة في موعدها لا تتجاوز 10% فقط!!.. وأن 90% من تلك المشاريع متعثر.. مؤكدًا رغبة هيئته في كشف أوجه الفساد المتسبب في هذا التعثر كاستغلال المنصب والرشوة (الرياض 15995).. وهو تصريح لا يحتاج إلى مزيد شرح، فالرقم صادم بكل المقاييس وله مدلولاته الكثيرة والخطيرة التي لا يساورك معها أدنى شك في تأثير حفلات شاي الياسمين التي تعقد في الخفاء على تنامي هذه الظاهرة ووصولها لهذا الرقم المفزع!. * العرب «أمة» تدّعي التديّن بمناسبة ودون مناسبة.. رغم تقارير وإحصاءات البنك الدولي التي تضعهم في مراتب متأخرة جدًا على قوائم النزاهة والشفافية العالمية حيث يقدر حجم الفساد العربي بأكثر من 300 مليار دولار سنويًا، هذا مع الأخذ في الاعتبار أن ما يتم اكتشافه من فساد لا يتجاوز 5-10% فقط.. ولعل في هذه الإحصاءات ما يكفي لتبرير احتلال العرب لمراكز الصدارة في قوائم الدول الأكثر فسادًا!.. والمضحك أن العربي الذي لا يحب تسمية الأشياء بمسمياتها يتفنن في إطلاق التسميات المختلفة على الرشوة إما للتمويه أو من باب (التدليل والتدليع) ففي تونس يسمونها (الخموس) وفي الجزائر (الكمون) وفي مصر (الشاي) وفي لبنان (البنادول أو الإسبرين) وفي السودان (البلصة) وفي المغرب (التدويرة).. لكن الأدهى من ذلك أن العبقرية العربية لم تقف عند حد محاولة تخفيف حدة هذه الجريمة بتغيير مسمياتها، بل تعدت ذلك إلى تطويرها وابتكار أنواع جديدة منها مثل الرشاوى الرياضية.. ورشاوى أخرى سيسجل التاريخ أنها ابتكار عربي 100%!. * باختصار.. طالما بقي المناخ العربي مناخًا طاردًا للشفافية والمساءلة والمحاسبة، ومحفزًا على الفساد والبيروقراطية.. وطالما أن هناك فاسدين يسنون الأنظمة والقوانين التي تضمن استمرار فسادهم.. فسيبقى العرب يتعازمون على أكواب شاي الياسمين من أجل قضاء أبسط مصالحهم.. وسيبقى شعارهم وتحيتهم المفضلة جملة عادل إمام السحرية: تشرب شاي بالياسمين؟!.