ليس الهدف من هذا المقال تحليل الرابطة التاريخية بين بلدين كمصر والسعودية، فهذه العلاقة هي من الوضوح والجلاء بحيث لا تترك مجالًا للشرح والإضافة. وليس الهدف منه الإتيان بجديد فيما يخص تلاحم الشعبين والتقارب الجغرافي والثقافي والقومي والدموي بينهما لأن الروابط أكثر من أن تعد وتحصى، وإنما نهدف لتحليل سريع حول ما حصل مؤخرًا من ظواهر سلبية قادها بعض الأفراد المحسوبين على البلدين في وسائط النشر الاجتماعية والإلكترونية. هذه الظواهر الفردية استغلت الوسائط استغلالًا سلبيًا واضحًا، من أجل نشر الفرقة، عوضًا عن تحليل القضايا بشكل علمي يجمع الأدلة ويتحرّى الصدق والموضوعية، ونلاحظ أن هؤلاء الأفراد لم يقوموا بتكوين أي عمل مؤسسي حقيقي، لا من جهة دراسة القضايا المثارة بشكل دقيق يستوفي الشروط العلمية والقانونية، ولا من الناحية الإعلامية حينما تبودلت الاتهامات وانتشرت الشائعات، ولم نجد من يتحرى المسؤولية اللهم إلا القلة القليلة من الجادين والمخلصين! وحتى هذه اللحظة: استطاع الإعلام المصري -ولو بشكل نسبي- أن يرفع معدلات النقاش حول بعض القضايا العالقة والمتمحورة حول حقوق الإنسان وحريات المواطنين والأفراد، ورسم صورة مشرقة قياسًا بوسائل النشر الاجتماعية، والتي استغلها البعض لحرف القضية عن مسارها الحقوقي عبر اللجوء للدعايات الرخيصة ضد الشعوب. ولو كنت مكان أي مصري للجأت للأسلوب الموضوعي والمنطقي في الطرح، خاصة أن مصر العظيمة لا تحتاج للمزايدين، فرصيدها الفكري والثقافي يغنيها تماما عن ذلك، وفوق تضاريس تلك الأرض خرجت أعظم العقليات القانونية والدستورية التي لا ينقصها غير تفعيل أفكارها على أرض الواقع، وبعث الروح في تلك القوانين لتصبح واقعًا معاشًا يلتمس الجميع أثره. وهنا ينطرح سؤال حساس يناسب مرحلتنا التاريخية العربية ككل، ويناسب الوضع المصري خصوصًا بعد ثورة يناير العظيمة، وهذا السؤال هو: هل سنلحظ تأسيسًا راسخًا لمفهوم حقوق الإنسان في مصر بشكل خاص والعالم العربي بشكل عام بالتوازي مع التطورات الثورية؟ وهل سيتم الحفاظ على مكتسبات الثورة والعمل من خلالها على تحليل مفهوم حقوق الإنسان وتعميقه والسعي لبلورته اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا؟ إن مصر تملك العمق الاستراتيجي بالمنطقة، ومن الناحية الجغرافية هي أضخم قوة بشرية وفيها أحد أخصب مناطق العالم المائية في نهر النيل، أما السعودية فهي مصدر العروبة والإسلام وعلى أرضها تنبع أغزر الثروات النفطية في العالم كله، وهو ما يعني أن رأس المال الثقافي والمادي قد توفر، ولو قدر لهذين البلدين أن ينموا طبيعيًا وتستقيم خطواتهما التنموية فسوف يكون لهما شأن أضخم وأجل من شأنهما الآن، فهاتان الدولتان تليقان بالصدارة إذا ما قدرت لهما ظروف النمو الحقيقي. فالنمو يحتاج للجهد والعمل والاكتداح والمثابرة وهي العناصر التي يجب أن يدركها السعوديون والمصريون على السواء، فالفارق كبير بين العمل الذي يجلب النتائج والاحترام، وذلك العمل الذي من شأنه إهدار الوقت وتعطيل الجهود وإذكاء الضغائن.