اختار رئيس الوزراء الأردني الجديد فايز الطراونة وجوها ناعمة وحضارية ولا تتميز بالخشونة لتولي حقائب مهمة ومحددة في سياق خطة حكومته بالسيطرة على الإيقاع الأمني والإعلامي حصريا لكن هذه الوجوه بصفة عامة تتميز بأنها «غير ودودة» كثيرا تجاه التيار الإسلامي رغم نعومتها مما يعكس أولويات الوزارة الجديدة في ترشيد خطاب الإٍسلام السياسي في البلاد وهى أولويات تأثرت بوضوح بتحريك الجماعة الاسلامية في البلاد للحراك الشعبي. ومن هنا اختار الطراونة شخصية وطنية مخضرمة وتتمتع باحترام كبير في صفوف المجتمع وزيرا للداخلية وهو القانوني الوزير غالب الزعبي الذي لا يمكن اعتباره من النخبة (الأمنية) في البلاد رغم انه سيتولي حقيبة الداخلية في حكومة تعهد رئيسها مسبقا بالا تحصل اعتداءات على الحريات العامة في عهده وبالمواءمة ما بين الإصلاح والأمن. ومع وجود الزعبي في وزارة الداخلية من الواضح ان الطراونة يستبعد قدر الإمكان الخيارات الخشنة في الإدارة الأمنية بعهده ويتجاهل الدعوات التي وجهت له لتعيين شخصية أمنية في الداخلية خصوصا ان الوزير الجديد هنا يحتفظ بعلاقات إيجابية مع اطياف العمل السياسي والاجتماعي والبرلماني ولا يثير الكثير من الجدل عموما وهو ليس معروفا بالمواقف الإشكالية وغير الشعبية. وفي سياق الاختيارات ودلالاتها جلس الدكتور سليمان الحافظ احد المخططين الاقتصاديين البارزين في المملكة على كرسي وزارة المالية واحتل رقم (3) في الحكومة حتى يترأس الطاقم الاقتصادي الوزاري الذي لم يشهد الكثير من التغييرات ما يعني ان الأولوية الاقتصادية ما زالت قائمة في مشهد الحكومة الجديدة. وبالانتقال للموقع الأهم في الحقائب بقي المخضرم والعريق ناصر جودة (الخارجية) ويحظي بالرقم (4) مما يعني ان هذا الموقع سيعود للأضواء بعد ان وضعه بعيدا عن الاضواء لمدة سبعة اشهر. وجودة من الشخصيات السياسية الأردنية المعروفة جدا على نطاق عربي وإقليمي ودولي وانحيازاته قوية جدا لعملية السلام والتطبيع والتفاوض مع إسرائيل ولديه علاقات جيدة بالإسرائيليين والأمريكيين وخبرته متواصلة في العمل الدبلوماسي. وإذا كانت بوصلة الحكومة الخارجية ستدار عبر»انحيازات» جودة فقط يمكن من الآن توقع تصعيد في الدور الأردني الإقليمي على صعيد ملف السلام وعلاقات دبلوماسية متحمسة «بتحفظ» للحسابات الأمريكية وتأييد لعملية التطبيع، ويتردد من الآن ان جودة سيتولي إدارة (الحصة الأردنية) في الترتيب الإقليمي المرتبط بالقضية الفلسطينية مباشرة خصوصا ان علاقاته العربية والإقليمية ممتدة جدا وكذلك اتصالاته مع رموز أوسلو الأساسيين في السلطة الفلسطينية. اللافت ان الطراونة انشا ولأول مرة في الحكومة وزيرة لشؤون المراة اوكلت لناديا محمد هاشم وهي سيدة غير معروفة في العمل العام، وتؤشر ترتيبات الوزراء الجدد الي ان المطبخ الرئيسي والاقوى في حكومة الطراونة بعد رئيسها سينحصر ما بين ثلاثة اشخاص فقط هم ناصر جودة (الخارجية) وجعفر حسان (التخطيط) وسليمان الحافظ (المالية) فيما سيلعب الزعبي وزير(الداخلية) بالضرورة دورا رئيسيا في الشأن المحلي. وفي اول رد فعل للشارع على حكومة الطراونة الجديدة وتحت شعار «جمعة إسقاط نهج وادي عربة» ينظم الائتلاف الشبابي والشعبي للتغيير مسيرة اليوم الجمعة وسط العاصمة عمان وتأتي بالتنسيق مع الحراك الشبابي والشعبي الأردني في معظم محافظات المملكة، وجاءت تسمية الجمعة بهذا الاسم تأكيدًا من الحراك على «خطورة معاهدة وادي عربة وأن كافة القوانين والقرارات السياسية والاقتصادية جاءت لتتكيف مع هذه المعاهدة المشؤومة مع الاحتلال» كما أنها تأتي ردًا على «تباهي» رئيس الوزراء المكلف بدوره في هذه المعاهدة بحسب بيان الناشطين. هذا ويعتزم المشاركون في ختام المسيرة حرق العلمين الأمريكي والصهيوني، وكان الطراونة قال في رده على سؤال نيابي حول مشاركته في معاهدة التسوية الاردنية الاسرائيلية «وادي عربة» انه لو عاد به الزمن لشارك في المفاوضات مرة اخرى.