كما هو عادة المبدع أيًا كان موطنه على هذه الأرض الفسيحة المتلونة الأبعاد، فإنه يتنقل من مكان إلى آخر، وليس بالضرورة تنقلاً مكانيًا، وإنما قد يكون هذا التنقل فكريًا، بحيث أن يتطلع ويقرأ عن معظم سلوكيات وأفكار الشعوب في أماكن تنقله على وجه الأرض، وتظهر له نتائج معينة ترسخ فيه فكريًا، وتنعكس عنه سلوكيًا وإبداعيًا وخلافه.. حيث إنه قد يكتشف وتتفتح له من أبواب معارف ليس هو يعرفها، لو لا هذا التنقل ولو على شكل تقمص شخصيات معينة.. ما أردت أن أقوله إن المبدع والكاتب يحق له ما لا يحق لغيره، في إبراز الوجهة التي من خلالها ينتقد بها مجتمعًا معينًا، كونه يعرف كيف ينقل الصورة ويعالجها بشكل يخدم هذا المجتمع أو ذاك، دون أن يخدش في هويته وشخوصه، وهذا يعني أن الملاحظة ليست مقتصرة على المبدع فحسب، ولكنها عميقة منه أكثر من غيره، كونه يجسدها في إطارها، الذي يجب أن تكون عليه وفيه، والتي لا يليق لها بدونه.. وهنا يجب ألا يستغل هذا المبدع أو ذاك هذه الميزة، التي قد مُنحت له.. حقًا إن عالم الإبداع عالم عجيب وجاذب، يخضع له ثلة كبيرة من الطبقة المثقفة، وإن كانوا على مراتب وأشكال ودوائر نخبوية، ولهذا للأسف استغلت كثيرٌ من الحزم المثقفة سلطتها في ترويج ما لا يجب ترويجه واستغلت قدرتها الإبداعية وعمقها الثقافي والفلسفي..! لذا يؤسفني أن أتراجع عما قلته سلفًا، في هذا المقال، بأن ليس كل ما يقوله المبدع صحيحًا وصوابًا، وأنه ليس وحيًا منزلاً، ولكنني أردت أن أشدك وأسحبك بهذه المسحة من خباثتي، لكي تعرف أن ليس للمبدع الحق دون غيره، فالكل من شرائح المجتمع له الأسود والأبيض من السلوكيات على حد سواء، ولا يبقى لنا إلا أن نتفحص فيما نقرأه ومن هو كاتبه، وما بعده الثقافي؟ وعلى أي شيء يرتكز ؟ وممن نسمع؟ وماذا نسمع ونستمع؟ فليس كل مبدع ومثقف ترجح كفته، وليس كل داعية وخطيب يتوازن في مقاييسه إلا القليلين من الحزمة المثقفة والناشطة.