النكت والطرائف التي يتداولها الناس في المجتمعات الإنسانية تعكس كثيراً من الظواهر التي تعالجها هذه الطرف والنكات بشكل غير مباشر، تعبيرا عن روح الفكاهة في المجتمع من ناحية، وهروبا، في مجتمعات أخرى، من المواجهة المباشرة مع القوى السياسية والاجتماعية في المجتمع التي تحاسب أصحاب الرأي على آرائهم. فيعمد هؤلاء إلي إطلاق نكاتهم دون تحمل مسؤوليتها، فتُصبح ملكاً للناس يتداولونها، ويدعي صاحب النكتة أنه سمعها كغيره من الناس ورددها معهم دون أن يعرف مصدرها، فهو ضحِك للنكتة كضحك الغير عليها؟! *** النكتة إذن هي سلاح خطير، وهي "ثورة صغيرة" كما يصفها جورج أورويل، وهى "محاولة قهر القهر" كما يقول سيجموند فرويد رائد مدرسة التحليل النفسي. ولم يسلم منها رجال السياسة ولا رجال الدين ولا رجال الفكر والثقافة. "كلماتها بسيطة ولكنها شديدة الأثر.. مضحكة ولكنها مؤلمة فى نفس الوقت.. مريحة لسامعها ولكنها قاتلة لمن تستهدفه.. بعضهم يقبلها وبعضهم يمقتها.. بعضهم يتجاوز عنها.. وبعضهم يتعقب أصحابها". وقد قيل أن الرئيس جمال عبدالناصر كان يحرص على سماع النكتة، وكانت لديه وحدة في المخابرات، تُعنَى برصد النكات لمعرفة ما يفكر به المصريون. وأن السادات لديه جهاز خاص لجمع النكات اليومية التي يقولها الشارع المصري، وأنه كان مشهوداً بأنه يبدأ يومه بقراءة تقرير المخابرات عن النكت التي قيلت عليه وكان يسميها (نكات الصباح). فالنكتة تعكس مزاج الشعب .. وتبرز أهم مشكلاته بعفوية وصراحة قد تعجز عنها دراسات وتقارير يقوم بها خبراء في شتى التخصصات الحياتية!! *** والنكتة منتشرة في أرجاء العالم، فالشعوب تتشابه في محنتها في كثير من الأحيان وتخضع لذات الظروف الكابوسية التي تعيشها، لكنها تختلف في طريقة طرحها من شعب الى آخر تعبيراً عن ظلم وقهر أو حتى تعبيراً عن استرخاء عام. وهناك فئات من المجتمع تستهدفهم النكات وتدور حولهم، خاصة في عواصم المدن الكبرى. وعادة ما تكون الضحية فئة من المجتمع تتميز بصفات محروم منها سكان المدن كالصراحة وصفاء النفس والكرم يفسرها إنسان المدينة ب"السذاجة"، و"الغفلة"؟! ومثل هؤلاء لا ينقصهم الذكاء ولا الفراسة. ولعلي أذكر هنا قولة الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه: " لست بالخب ولا الخب يخدعني"، أي لست بالمكار المخادع ولا يستطيع المكار المخادع أن يخدعني؟ *** والنكتة السياسية تولد في المجتمعات كلما ضاقت مساحة التعبير وانتشرت السلطة البوليسية وطوقت الحريات وضربت أطنابها في الحياة اليومية للناس وقيدت حركة الرأي الآخر، لذلك تُفرز النكتة بوصفها كاشفاً فورياً لضيق مساحة الحرية بطريقة الترميز والإيحاء. لذا فالنكتة السياسية يعتبرها بعض الحكام سلاحاً أخطر من "سلاح الدمار الشامل"، فالثاني يمكن أن تصدر قوانين لحظره أو تفكيكه، لكن الأول يمكن أن يتعامل مع محاولة منعه أو تفكيكه ك"نكتة" تُلقي بأكثر سامعيها على قفاهم من شدة الضحك؟! نافذة صغيرة: [النكتة السياسية أشهر وأخطر سلاح بدون ترخيص يرفعه البسطاء فى وجه السلطة، ورسالة الشعوب المشفرة لحكامها!] مجدى كامل