ما عسى المرء أن يكتب عن « عراق « دجلة والفرات ، وعن « بغداد « عاصمة « الرَّشيد « الذي كان يبصر السَّحابة وهي تسير فيقول لها : « أمطري أنَّى شئتي فسيأتيني خراجك « ، وماذا عن « دار الحكمة « وعن الحضارة الإسلاميَّة التي امتدت لقرون من الزَّمان وهي في قوة وهجها وتألُّقها . ذلك عراق الأمس ، أما عراق اليوم وبعد أن سلَّمته أمريكا لإيران على طبق من ذهب فإنَّ في ك موضع منه جرحاً ينزف ، بل إنَّه يقتات اليوم على فتات الطَّائفيَّة البغيضة ، والعنصريَّة المذهبيَّة ، التي تحارب أهل السُّنَّة في وضح النَّهار ، وتكيد لهم ، وتسعى إلى أن لا يكون لهم موطأ قدم أو دور ريادي في بلادهم ، وتعلن أمام الإعلام المسيَّس : أنَّها في طريقها إلى الديموقراطيَّة والعدالة وتحقيق المساواة !! إنَّ الواقع شيء وما يُصرِّح به نوري المالكي وأتباعه شيءٌ آخر ، فهم يتصرَّفون وفق ما تريده إيران ، وعلى النَّهج الذي يريده المرشد الأعلى ، وكأنَّ العراق أصبح ولايةً من ولايات إيران ، يأتمر بأمرها ، ويسير وفق أجندتها السِّياسيَّة. وما وقفة نوري المالكي وأتباعه مع النِّظام السُّوري الظَّالم إلاَّ جزء من الولاء لإيران وللمذهب الذي يسعون إلى خدمته بكل أساليبهم . في الأمس القريب قال المالكي معلِّقاً على ما يحدث في سوريا الجريحة من مجازر وحرب إبادة : « إن النِّظام السُّوري لم يسقط ، ولن يسقط ، ولماذا يسقط ؟ « وهذا هو قمَّة الدَّعم والتَّأييد الذي يقدِّمه حكام العراق للنِّظام السُّوري ، ويسعون بمعاونة من إيران على أن يبقى ذلك الظُّلم جاثماً على صدور السُّوريين ، ولا يهمُّهم كم العدد الذي يُقتل ، ولا كم العدد الذي يُعتقل ، ولا المدن التي تُدمَّر وتُهدَّم ، وإنَّما يهمُّهم أن يبقى نظام بشَّار قائماً بكلِّ ما يحمله من ظلمٍ واستبدادٍ وطغيان . هل هذا هو الدَّور الذي كان يُنتظر من العراق ؟ وهل الوقوف إلى جوار الظالم يُرضي النفوس الأبيَّة الشَّريفة ؟ وهل ثمة مقارنة بين عراق الأمس وعراق اليوم ؟ إنه لا مجال للمقارنة . وهذا جانب من رسالة يحملها المدُّ الصَّفوي الذي بات يشكِّل دولاً عدَّة ، ويقتطع أجزاءٍ من دولٍ أخرى ، ويسعى إلى الهيمنة وبسط النُّفوذ ، ويحشد تكتُّلا يُجابه به الآخرين ، وهذه نقطة تحتاج إلى دراسة مستفيضة ونقاش طويل . ومضة : قد يستبدُّ الباطل ساعة ولكنه لن ينتصر، لأنَّ جولة الباطل ساعة وجولة الحقَّ إلى قيام السَّاعة. *الأستاذ المشارك بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية .