افتتح سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة، رئيس هيئة كبار العلماء أعمال حلقة نقاش لمناقشة موت الدماغ بين المستجدات الطبية والأحكام الفقهية، بحضور الشيخ صالح بن حميد المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء، والشيخ عبدالله بن منيع المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء، ومدير عام صحة الرياض د. عدنان العبد الكريم. حلقة النقاش نظمتها المديرية العامة للشؤون الصحية بمنطقة الرياض ممثلة بإدارة التوعية الدينية بمشاركة عدد من الفقهاء والأطباء استشاري المخ والأعصاب والطوارئ والعناية المركزة وغيرهم. والحضور شمل عددًا من أعضاء اللجنة الاستشارية الشرعية الطبية بالإفتاء والجمعية السعودية للدراسات الطبية الفقهية. والجمعية السعودية الفقهية. وألقى سماحة المفتي في مستهل حلقة النقاش كلمة قدم فيها شكره وتقديره للشؤون الصحية بمنطقة الرياض ممثلة بإدارة التوعية الدينية على إقامة مثل هذا البرنامج الذي يجمع بين العلماء والأطباء لدراسة ومناقشة هذا الموضوع من الناحية الطبية الفقهية والبحث فيما استجد في موت الدماغ. الميت الدماغي لا يُعد موتًا وأشاد سماحته باجتماع العلماء والأطباء وحث فيه المواصلة على عقد مثل هذه الاجتماعات العلمية.. واكد على مضمون قرار هيئة كبار العلماء وهو أن الميت الدماغي لا يُعد موتًا إلا بتوقف القلب والتنفّس. ثم بين سماحته شمول تعاليم الإسلام لكل المجالات ومنها المجال الصحي، وقال ان المسلم دائمًا متوكل على الله يرجو رحمته ويقول الخليل عليه السلام «وإذا مرضت فهو يشفين« وفي هذا دليل على تعلقه بربه مع الأخذ بالأسباب النافعة في طب الشفاء. واشار سماحة مفتي عام المملكة إلى أن الأدلة على عناية الإسلام بالصحة في الجوانب الوقائية كثيرة، وكذلك فيما يتعلق بالعلاج والأخذ بأسباب الشفاء، والإفادة من كل علم لا يخالف مقاصد الشريعة والأحكام الفقهية الراسخة لتحقيق هذا الهدف. وبعد ذلك بدأت فعاليات حلقة النقاش والتي يديرها ويرأسها البروفيسور جمال الجارالله أستاذ طب الأسرة والمجتمع بكلية الطب جامعة الملك سعود. المملكة وزراعة الأعضاء وتحدث الدكتور فيصل شاهين مدير عام المركز الوطني لزراعة الأعضاء بورقة عمل عن الحاجة الطبية للحديث فيما يتعلق بحالات موت الدماغ، فأكد أن موت الدماغ من وجهة نظرة ممر لزرع الأعضاء، وأن حالات موت الدماغ تتعرض لكثير من المضاعفات التي تقلل من حجم الثقة في كفاءة أعضائهم الأخرى فضلًا عن استمرار الحالات المتوفاة دماغيًا لسنوات طويلة مما يتسبب في اهدار مبالغ طائلة، مدللًا على ذلك بأن الدولة تكلفت العام الماضي قرابة المليار ريال للعناية بما يقرب من 770 حالة موت دماغي وبمتوسط 10 أيام في العناية المركزة، وهذه المبالغ المالية الضخمة يمكن الاستفادة منها في إنشاء مستشفيات جديدة أو إنقاذ كثير من المرضى الذين يحتاجون إلى أسرة في أقسام العناية المركزة. وأضاف: إن المملكة تعاني من مشكلة كبيرة في توفير العلاج لمرضى الفشل الكلوي والذين يحتاجون إلى زرع كلى، ويصل عددهم إلى حوالى 2000 مريض سنويًا، بالإضافة إلى 500 مريض يحتاجون إلى زرع كبد، و200 مريض بحاجة إلى رئة، بالإضافة إلى مشكلة مرضى السكرى والذين يزيد عددهم بصورة مستمرة ليصل إلى 25% من عدد سكان المملكة، وهؤلاء يمكن علاجهم نهائيًا عن طريق زراعة البنكرياس إذا ما توافرت الأعضاء. وتساءل مدير المركز الوطني السعودي لزراعة الأعضاء إذا كان لدى الأطباء قناعة كافية بأن الوفاة الدماغية هي الوفاة النهائية التي لا رجعة فيها وهم أطباء مسلمون وثقات بإذن الله فما رأي العلماء والفقهاء فيما يقوله أهل الطب؟ آراء الفقهاء من جانبه تحدث رئيس قسم الفقة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور حسين العبيدي فاستعرض رأي الفقهاء في الحكم بموت إنسان حين يتوقف قلبه عن النبض أو يتوقف تنفسه وبناء على ذلك ذكر الفقهاء علامات تدل على الوفاة بعضها اجتهادي وبعضها يستند إلى أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وأضاف العبيدي: أننا في هذه الأزمنة والتي وجد فيها ما يعرف بالموت الدماغي والذي يعني تعطل وظائف الدماغ جميعًا، وبلا رجعة وفق تقرير الأطباء فالمريض أو المتوفى دماغيًا لا يزال قلبه ينبض كما لا يزال يتنفس، فهل يحكم بأن هذا الإنسان أو المريض ميت نظرًا لتعطل دماغه كليًا، وهو أي الدماغ مركز الإحساس والإدراك والتصرف؟ أم أنه لا يزال حيًا نظرًا لأن بعض أعضائه ما زالت حية، وهي مسألة جديرة بالبحث والدراسة مؤكدًا أنه بالرغم من كل ما طرح من آراء طبية وفقهية لا يزال بعض الأطباء يرون أن المتوفى دماغيًا هو ميت بينما نجد أطباء آخرين لا يرون ذلك، فضلًا عن آراء الفقهاء بأنه لا يحكم بالوفاة الشرعية ما دام القلب ينبض والنفس يتردد. بلغت التراقي وأشار الدكتور العبيدي بأن الموت ذكر في كتاب الله تعالى وفي سنة النبي ولم يذكر تحديد صريح ولكن ذكرت العلامات الدالة على الوفاة كما في قولة تعالى «كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راقٍ»، وقوله تعالى: «فلولا إذا بلغت الحلقوم وانتم حينئذ تنظرون« أي هل تستطيعون في مثل هذه الحالة حالة الاحتضار أن تحبسوا روحه عن الخروج أم أنكم لا تقدرون على ذلك. وجاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الروح إذا قبض تبعه البصر، وهذا هو لب المشكلة التي نتحدث عنها الآن، أن شخصًا له علاقة وله شبه بالأحياء نظرًا لتنفسه ونبض قلبه وله شبه بالأموات في رأي الأطباء لتعطل وظائف دماغه تعطلًا نهائيًا، ومن ثم لا يمكن أن يعود للحياة. وأضاف العبيدي: ولأننا في زمن تقدم فيه الطب كثيرًا وتطورت التقنيات الطبية، ومنها ما يتعلق بأجهزة الإنعاش لمن مات دماغه، بحيث يوضع تحت الأجهزة في العناية المركزة، وليس فيه حراك ولا حس إلا أن قلبه ينبض ورئته يمكن أن تعمل فقد أدى هذا إلى ظهور تعريف جديد لهذه الحالات هو «موت الدماغ« ولم يكن ذلك معروفًا قبل وجود واستخدام هذه الأجهزة الحديثة، ولكن لأن جسم هذا الإنسان الميت دماغيًا ينمو وتنمو كذلك أظافره وشعره ويتبول كما يقول الأطباء وهو ما يجعل الحاجة ماسة إلى تحرير الأحكام الفقهية والشرعية في هذه المسألة. ثم توالى طرح أوراق العمل وطرحت ورقة عمل مفهوم موت الدماغ عند الفقهاء وعند الأطباء للدكتور محمد علي البار. وقدم الدكتور ياسر مندروة رئيس العناية المركزة بالمستشفى العسكري والدكتور زهير القاوي استشاري امراض الاعصاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي ورقة عمل عن المستجدات الطبية في موت الدماغ. وتحدث الشيخ الدكتور مسلم الدوسري أستاذ اصول الفقه المشارك بجامعة الإمام عن تطبيق القواعد الفقهية على موت الدماغ.. واختتمت اوراق العمل بفضيلة الأستاذ الدكتور عبدالله الطريقي أستاذ الدراسات العليا والبحث العلمي بالجامعة الإسلامية سابقا حول قراءة في قرارات المجامع وهيئة كبار العلماء والبحوث الفقهية في موت الدماغ. توصيات لمعرفة النازلة وبعد ذلك دار نقاش وحوار طويل بين العلماء والفقهاء والأطباء نتج عنه التوصيات التالية التي تلاها مقرر حلقة النقاش فضيلة الدكتور صالح الفوزان استاذ الفقه المقارن بجامعة الملك سعود حيث جاء في التوصيات، التأكيد على أهمية توثيق الصلة بين الأطباء والفقهاء في دراسة أحكام النوازل الطبية خاصة ما يتعلق بالموت الدماغي من خلال لجان مشتركة مع زيارات ميدانية للمستشفيات والمراكز الطبية للاطلاع على واقع هذه النازلة والدعوة إلى العناية برصد آخر المستجدات الطبية في نازلة الموت الدماغي ودراسة أثر ذلك على الحكم الفقهي والتأكيد على أن الخلاف الفقهي في حكم الموت الدماغي خلاف سائغ، ويسع الأخذ بأحد القولين والدعوة إلى تعميق البحث الطبي والفقهي في بدائل مقترحة لأخذ الأعضاء الحيوية، ومنها نقل أعضاء المحكومين بعقوبة القتل ونقل الأعضاء بعد الوفاة الحقيقية مباشرة واستنساخ الأعضاء.