عندما نجحت ثورة 25 يناير في الإطاحة بنظام الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك احتجاجًاً على الأوضاع المعيشية والسياسية والاقتصادية السيئة وقرابة ثلاثة عقود من القهر والظلم والفساد، كانت أهداف الثورة التي قامت على سواعد شباب مصر هي بناء «مصر جديدة»، دولة مدنية وديمقراطية ترتكز على العدالة الاجتماعية، وإرساء دعائم دولة القانون، وإعلاء قيم الشفافية .. ولكن هل ما يجري في الانتخابات الرئاسية حالياً في مصر يتوافق مع هذه الأهداف؟! لقد كانت هناك حادثتان مهمتان لفتتا انتباهي بقوة منذ فتح باب الترشيحات الرئاسية في 8 مارس الماضي وكانتا سبباً في بناء تصور مغاير للأهداف الحقيقية للثورة، الحادثة الأولى، هي الأخبار التي تناولت سعي جماعة الإخوان المسلمين إلى تنازل مرشح حزب النور السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل عن خوض الانتخابات لمصلحة مرشح الجماعة خيرت الشاطر مقابل قبوله بمنصب نائب الرئيس في حال فاز الشاطر بالانتخابات، والحادثة الثانية، هي تصويت مجلس الشعب يوم الإثنين الماضي 9 أبريل 2012 بالإجماع على قانون «العزل السياسي» الذي يمنع أعضاء وفلول النظام السابق من الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية بعد 24 ساعة من إعلان المستشار فاروق سلطان رئيس لجنة الانتخابات الرئاسية ورئيس المحكمة الدستورية العليا إغلاق باب الترشح للانتخابات الرئاسية وإعلان قائمة المرشحين التي ضمت أسماء يحتمل عزلها وهم اللواء عمر سليمان والفريق أحمد شفيق باعتبارهما محسوبين على النظام السابق. في الحادثة الأولى، كان التلاعب والاحتيال هو السمة المنطقية لتلك المحاولات أو الضغوطات التي مورست ضد مرشح حزب النور السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل والذي تجاوزت كلفة حملته الإنتخابية حاجز ال 40 مليون جنيه، بالإضافة إلى إثارة قضية جنسية والدته الأمريكية وتبعياتها، وهو ما يوحي بخروج المنافسة عن إطارها المشروع والدخول في دائرة الإبتزاز وتقديم صفقات غير قانونية من تحت الطاولة أو من خلف الكواليس إن جاز التعبير. أما في الحادثة الثانية، لم يبدُ تصويت مجلس الشعب ذي الأغلبية الإخوانية بعزل مرشحي فلول النظام السابق بعد إقرار المحكمة الدستورية قائمة المرشحين سوى أنه محاولة إقصاء للمرشحين المؤثرين من القائمة ومضاعفة فرص مرشحين آخرين، وذلك لأن توقيت طرح المشروع والقرار يثير الشكوك حول شفافية سير الإنتخابات الرئاسية، لأن مشروع قرار «العزل السياسي» الذي قدمه البرلماني عصام سلطان نائب رئيس حزب (الوسط)، ذى المرجعية الاسلامية، طرح عقب إعلان اللواء عمر سليمان الترشح للإنتخابات، ولم يتم التصويت عليه إلا بعد قفل باب الترشح وإعلان قائمة المرشحين، وبالتالي أيضاً لن يكون هناك بدائل للمستبعدين، وهو أسلوب مستحدث بشكل سلبي عن كيفية تطبيق الآليات التشريعية وسير المنهجية الديمقراطية. ونستشهد في ذلك بالنموذج الديمقراطي الأم في الولاياتالمتحدة، ففي 6 أغسطس 2010 أي قبل أكثر من عام ونصف على بدء الإنتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الجمهوري، اعتمدت اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري (RNC) قواعد جديدة لآلية الإنتخاب، فبدلاً من إعطاء المرشح جميع مندوبي الولاية التي يفوز فيها، اصبح يُعطى نسبة من المندوبين مساوية لنسبة الناخبين الذين صوتوا له، وهو ما عرقل لاحقاً المرشح الجمهوري الأوفر حظاً (ميت رومني) من الوصول للعدد المطلوب من أصوات المندوبين (1144 مندوبا)، وعلى الرغم من تأثير ذلك على فرص الجمهوريين في الإنتخابات الرئاسية القادمة، لم تعدل اللجنة الوطنية للحزب آلية الإنتخاب إلى الطريقة السابقة حتى تحسم الصراع، لأن في ذلك تفضيلا لأحد المرشحين وهو أمر مخالف للقيم الديمقراطية. لذلك فإن مجمل القول، هو أن ما يحصل الآن في الإنتخابات الرئاسية في مصر من صفقات وإقصاءات ما هو إلا إستغلال سلبي للآلية الديمقراطية عبر إقحام نفس السلوكيات الدكتاتورية والإستبدادية التي عاشها المصريون خلال العقود الثلاثة الماضية، والتكريس لمفاهيم مستحدثة على التشريعات الديمقراطية تحولت وتحورت تدريجياً نحو الإتجاه الخاطئ لتخلق هجيناً وأنموذجاً جديداً على الساحة السياسية، من الممكن أن نسميه «الديمكتاتورية» !!