حرص النظام المصري السابق على أن يترك مصر فقيرة في كل شىء، المال .. والرجال. فقد جرى نهب ثروات مصر بشكل منظم حتى خلال الأيام الأخيرة لسقوط الرئيس مبارك. أما الرجال فقد عمل النظام على إقصاء من يجد فيهم منافسا او خطرا على النظام. وحكاية الدكتور أحمد زويل، الذي فاز بجائزة نوبل في العلوم هي مثال بارز لمثل هذا النهج. فبعد أن كرمه النظام السابق بقلادة النيل تحول التكريم الى حرب شعواء ضد الرجل عندما بدأت شعبيته تزداد بين المصريين. وتكرر نفس الأمر مع الدكتور محمد البرادعي، وقبلهما المشير عبدالحليم أبوغزالة. *** لقد ترك الرئيس مبارك مصر في حالة وصفها الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه (مبارك وزمانه: من المنصة إلى الميدان) بأنها حالة "تفريط وانفراط للموارد والرجال، وتجريف كامل للثقافة والفكر،" حتى أنه حين أراد أن ينفي عزمه على توريث حكمه لابنه قال لمحدثه، كما يذكر هيكل: "ياراجل حرام عليك"، ماذا أورث ابني – أورثه "خرابة"؟!! لم يسأل مبارك نفسه، أو لم يسأله سامعه، كما يقول هيكل، "متى وكيف تحولت مصر إلى "خرابة"!! وهل تولى حكمها وهي على هذا الحال، وإذا كان ذلك فماذا فعل لإعادة تعميرها طوال ثلاثين سنة، وهذه فترة تزيد مرتين عما أخذته بلاد مثل الصين والهند والملايو لكي تنهض وتتقدم!! ثم إذا كان قد حقق ما لم يستطعه غيره منذ عصر "محمد علي" إذن فأين ذهب هذا الإنجاز؟!! – وكيف تحول – تحت نظامه إلى "خرابة"؟!! *** لقد أتيح لمصر في أول عهد مبارك الفرصة لانطلاقة اقتصادية استثنائية وذلك من خلال مشاركة مصر في التحالف الدولي لاسقاط نظام صدام حسين في العراق. فلقد كانت الحرب والكوارث التي أصابت المنطقة من جرائها، كما يصفها الأستاذ محمد حسنين هيكل، "كوارث موفقة" .. لأنها أتاحت ما بدا للبعض أنه فرصة للتغلب على "مصاعب مصرية"... فقد جاءت مصر في ظروف حرب الخليج وما بعدها مساعدات وهبات بلغت قيمتها 100 مليار دولار، بالإضافة إلى كثير من خدمات المخابرات والأمن والسلاح والتوريدات المقدمة إلى ما لانهاية من الخدمات، وكله أعطى مصر صفحة إقتصادية جديدة مشجعة!! فكيف انتهي بها إلى أن تُصبح "خرابة"؟!! *** إن ما تعيشه مصر اليوم إذن هو نتاج ثلاثين سنة من سياسة إفقار متعمدة كان المستفيد الوحيد من ورائها مبارك ورجاله. وقد آن الأوان أن تعمل مختلف التيارات المصرية المتواجدة على الساحة اليوم على عبور هذه المرحلة المُظلمة من تاريخ مصر إلى مرحلة جديدة تستعيد فيها مصر عافيتها وتستعد فيها لبناء ليس فقط مستقبل مصر .. بل ومستقبل المنطقة. نافذة صغيرة: [أسوأ شيء أن تصل إلى مرحلة غير قابلة للحركة ولا الحياة ولا الفعل .. وهذا هو حالنا معلقون بين الاعتراف والإنكار.] محمد حسنين هيكل