"لقد عاش الجيل الذي قبلنا في العقدين الماضيين في متاهات هذه الصراعات التصفوية المتناحرة، والتي كان يسعى فيها كل تيار إلى إلغاء التيار المخالف له بكل الوسائل اللاأخلاقية.. الأمر الذي أدّى إلى انحراف الخطاب الديني والثقافي عن القضايا الجوهرية الكبرى التي تهم وتلامس مصلحة الوطن والمواطن، والانزلاق في قضايا جزئية حزبية فئوية ضيقة". مقتطف من بيان وقّع عليه قرابة الألفين وسبعمئة شاب وشابة إلى وقت كتابة هذا المقال. هي نظرة إلى الماضي والحاضر بعين المستقبل، لا يجيدها سوى الشباب الذين يحسنون، أكثر من غيرهم، الإفلات من التفاصيل الثقيلة والمزعجة للماضي. يشبه جدلنا العقيم، حول الكثير من القضايا، مباراة في كرة القدم: يفوز فريق (س) على فريق (ص). يفرح جمهور (س)، ولكن ليس للأبد، لأن فريق (ص) سيعود ليفوز على فريق (س) في أقرب فرصة مواتية.. هي لعبة الفوز المؤقت والخسارة المؤقتة. لا نعرف لماذا يفرح من يفوز؟ ولماذا يحزن من يخسر.. طالما أن الأدوار ستنقلب بعد حين؟ نحن في جدلنا الثقافي (نلعب) أكثر ممّا نطرح أفكارًا، أو نطوّر مشاريعَ.. هوس المدرجات انتقل إلى الساحة الفكرية، وخاصة مع وجود ملاعب ومدرجات كتابية (تويتر على سبيل المثال). أصبح هناك نجوم يستعرضون مهاراتهم الكلامية والتحريضية.. جمهور يصفق بكلماته، ويهتف بشتائمه.. مؤامرات، وغش تحكيمي في كثير من الأحيان، بل صار لدينا محترفون ثقافيون حقيقيون، يلعب أحدهم لفريق (الليبراليين) لردح من الزمن، ثم حين يُركن على دكة الاحتياط، أو تبدأ المشكلات بينه وبين المدرب، يحترف في الفريق الآخر، ليصبح نجم مدرجاته، وهدافه الخطير.. قد يحدث العكس، وقد حدث بالفعل: ألا تذكرون موجة المحترفين التي انتقلت بغزارة من فريق إلى آخر.. ألا تذكرون (كائنات ما بعد 11 سبتمبر) كما سماهم أحد الساخرين.. والنتيجة لا شيء، مجرد لعبة تنحرف بالحوار عن القضايا الجوهرية، وتغرقنا "في قضايا جزئية حزبية فئوية ضيقة" كما كتب الشباب في بيانهم. دعوا الأقلام والأوراق والبيانات لهم هذه المرة. دعوهم ليحلموا نيابة عن كوابيسنا المزمنة، فلربما حملونا، في يوم من الأيام، إلى "تعددية فكرية لا يضيع فيها حق، ولا يقوم عليها باطل".