دار في أوساط التواصل الاجتماعي حوار شائق بين عدد من أقطاب الفكر الاقتصادي في بلادنا، كان الحوار يدور حول مستقبل الطاقة النووية والجدوى من الإنفاق الكبير المتوقع أن يبلغ أكثر من 140 بليون ريال في السنوات العشر القادمة على إنشاء محطات لإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية، بدأ الحوار بالتعليق على تصريح للدكتور هاشم يماني، رئيس مدينة الملك عبدالله للطاقة النووية والمتجددة، قال فيه إن القياسات العلمية تؤكد تدني المخاطر المصاحبة للطاقة الذرية عن مثيلاتها من مصادر الطاقة الأحفورية والمتجددة، حيث شكك البعض في مضمون هذه المقولة واعتبروا أنها لا تعدو كونها دعاية يروج لها منتجو محطات الطاقة النووية ، وأضاف البعض أن المملكة بالذات أقل قدرة من غيرها على التعامل مع مخاطر الطاقة النووية بدليل ضعف قدراتها على التعامل مع حرائق أو كوارث أقل بكثير من حجم كارثة نووية. دعونا نتناول بعض الحقائق البسيطة حول مدى الحاجة إلى استخدام الطاقة النووية.. أولى هذه الحقائق هي أن استهلاكنا من البترول والغاز الموجه نحو إنتاج الكهرباء في تزايد مستمر حتى أنه بلغ الآن أكثر من مليوني برميل من النفط يومياً أو ما يعادل حوالي ربع إنتاجنا من النفط، وإذا استمر هذا الاستهلاك في التزايد فإن معنى ذلك أننا نحرق بترولاً لإنتاج الكهرباء التي نستهلكها بأعلى المعدلات في العالم وهو بترول كان يمكن أن نبيعه في الأسواق العالمية بسعر يتجاوز المائة دولار للبرميل مقارنة مع بضعة دولارات هي قيمة برميل البترول الذي تكاد الدولة أن تهبه لشركات الكهرباء.. إذا ليس هناك من حل إلا أن نرفع تعرفة الاستهلاك إلى معدلات قد لا تكون مقبولة لدى عموم المواطنين أو أن نجد وسيلة أخرى لإنتاج ما نحتاج إليه من الكهرباء. الحقيقة الثانية هي أنه لا توجد حتى الآن أية مصادر غير الطاقة النووية يمكن لها أن تنتج الحجم المطلوب من الطاقة.. يشير البعض إلى الطاقة الشمسية وهي مصدر واعد ولدينا الكثير منه، التتمة ص(19) ولكن تقنية الطاقة الشمسية مازالت في انتظار اختراق علمي يساعد على إنتاجها بتكلفة معقولة.. ولذلك فإن المنطق يقتضي أن تولي مدينة الملك عبدالله قدراً كافياً من الاهتمام نحو تطوير تقنية الطاقة الشمسية مع المضي قدماً في برامجها لإنشاء محطات الطاقة النووية. الحقيقة الثالثة هي أن الحوادث المنسوبة للطاقة النووية قليلة وتكاد تعد على أصابع اليد الواحدة وذلك بالرغم من أن الطاقة النووية تغطي حوالي 70% من الطلب على الطاقة في فرنسا و20% في المانيا و90% في عدد من بلدان أوروبا الشرقية و50% في عدد من بلدان شمال أوروبا وغربها، وصحيح أن حوادث محطات الطاقة النووية القليلة يمكن أن تكون كارثية إلا أن مجموع ضحاياها وخسائرها لا يتجاوز ما يحدث في محطات الكهرباء التقليدية. أما القول بأننا لا نملك القدرة على التعامل مع مثل هذه الكوارث فهو توجه استسلامي يفترض أننا سوف نسند هذه المسئولية إلى أجهزة المطافئ القائمة وهي مع احترامنا للقائمين عليها ليست معدة ولا يتوقع منها التعامل مع هذه الاحتمالات، ولكننا نفترض أن إنشاء المحطات النووية سوف تواكبه أقصى الاستعدادات من ناحية السلامة والتدريب لمعالجة هذه الأحداث إن وقعت لا سمح الله، ولا ننسى أن أبناء وطننا يتعاملون بكفاءة ومهارة مع أكبر الحقول البترولية في العالم براً وبحراً بسجل مشهود من السلامة والأمن. وعموماً فإن حواراً كهذا لابد أن يكون مكانه ومظلته هو مجلس الشورى وألا يظل حبيساً للندوات الخاصة أو منابر التواصل الاجتماعي، وإن مدينة الملك عبد الله مطالبة بممارسة أقصى حد من الانفتاح والشفافية في هذا الموضوع الحيوي الذي يلامس حياة المواطنين وسلامتهم ويؤثر على مستقبل بلادنا واقتصادها وأمنها.